بقلم : فاطمة الكحلوت
كاتبة وباحثة اجتماعية
في ليالي ديسمبر يبدأ المطر بعزف ألحانه على الأرض، ثوران الرياح وإرتطامها بنافذة غرفتك تخبرك بأن رحلة الذكريات قد بدأت ولا مهرب من ذلك ،فأستعد جيدا لإنك لن تستطيع النوم حتى وإن حاولت كثيرا ،تمسك فنجان قهوتك الذي قد برد وتثيرك الدهشة ككل مرة كيف لهذه القهوة ذات المذاق المر أن تعبث بمزاجيتك وتجعلك مستيقظا طوال الليل ،فتجعلك تبتسم وترقص على ألحان المطر على عزف ذكريات أشخاص لم يعودوا موجودين ..
تمسك قلمك لتكتب، شيئاً ما يجبرك على أن تكتب رسائل لن تصل إلى عناوين بريدية لم تعد صالحة إلى أشخاص كانوا هنا ذات يوم وقد عشت معهم ليال ماطرة بصوت ضحكات عالية لكنهم رحلوا دون توديع ،تبدأ سطورك الأولى بسعادة لتخبرهم عن حجم الحنين الذي يبعثه المطر وما إن تبدأ في المنتصف من الرسالة حتى تبدأ عيناك تمتلأ بالحزن وكأن للمطر ذاكرة تبعثرك وتجردك من دفئك لتخبرك بأن تشعر بالبرد من دونهم ،ستكتب في رسائلك عن الوحدة وكيف سارت بك السبل إلى هذا الحد من البرد والوحدة ستشعر بأن الدفئ الحقيقي كان في طفولتك عندما كانت أمك تساعدك في إردتداء معطفك وتحضنك بقوة من البرد ،ستسأل نفسك هل كان كل هؤلاء الأشخاص هم وهم وليسوا حقيقة يعاهدوننا على البقاء ويرحلون يضعون ذكرياتهم في قلوبنا ويمرون .
وبين كل هذه الذكريات ترتشف آخر رشفة من فنجان قهوتك وكأنها تخبرك الآن بأن الوقت الآتي هو لتفكر في الأمل الذي سيضيئ عتمة حياتك وسيجلب لك الدفئ وبأن عليك إكمال محطات حياتك وبأنه لا بد أن يدخل أشخاص سيملؤون كل هذا الفراغ في حياتك وستعود إليك السعادة وستشعر بأنها لم ترحل عنك يوما ..