لموسمي خريف وشتاء 2011، كان عشاق الموضة على موعد مع اقتراحات صناعها والمؤثرين فيها، وبالفعل رأينا ما لا يقل عن 160 معطفا بلون الكاراميل والفحم والرصاص، وما لا يقل عن 800 تايور بتنورة وبنطلون، وطبعا فساتين لا تحصى بتصاميم ناعمة ومفصلة.
مر موسم آخر ثم آخر، ورأينا نفس الشيء يتكرر في ربيع وصيف 2012 وخريف وشتاء 2012 – 2013، مما لا يترك أدنى شك بأن عالم الموضة أخذ فترة إجازة من الجنون مفضلا العملية كمضاد للأزمة المالية العاصفة، التي لم تهدأ ولم تستقر أحوالها إلى الآن، رغم موجات التفاؤل التي تتعالى بين الفينة والأخرى.
الطريف أنها بعمليتها وواقعيتها تتوسل ود المرأة التي أهملت منذ زمن طويل، ألا وهي المرأة ذات المقاييس العادية والعاملة في الوقت ذاته. فهي في هذا الموسم لن تستطيع أن تشتكي من إهمال بيوت الأزياء لاحتياجاتها أو بأن ما يقدمونه لها ممل وعادي، بل إذا كانت هنا أي شكوى فهي إصابتها بالحيرة من هذا الزخم من المعروضات التي تطلب ودها.
تنورات مستقيمة، بنطلونات مفصلة، فساتين محددة وطبعا تايورات ومعاطف. بل يمكن القول إن كم المعاطف والتايورات المعروضة هذا العام على منصات العروض ليس لها مثيل سوى في بداية التسعينات، بسبب تشابه الأحوال الاقتصادية. فحينها كان العالم يمر أيضا بأزمة مالية، وبالتالي بدأ عشاق الموضة يميلون إلى البساطة الكلاسيكية والأناقة الهادئة.
ما يجب التنويه به هنا أن الجيل الجديد من النساء العاملات، لا يستهان بجمالهن أو قوتهن، فهن وإن لم يكن شماعات أزياء مثل العارضات النحيلات، لكنهن رشيقات ويعرفن خبايا الموضة وأسرارها، وما يناسبهن منها وما لا يناسبهن. لم يعد هذا الجيل يقتصر على فتيات مجتمع أو ربات بيوت مدللات، بل أصبح يشمل عصاميات مستقلات ماديا، مما يعطيهن الحق بأن تملين طلباتهن على بيوت الأزياء.
أكثر من توجه لهن مصمم «لانفان» ألبير إلبيز، راف سيمونز، مصمم «جيل ساندر» السابق، دريز فان نوتن، جيورجيو ارماني، جون بول غوتييه، وبيل غايتون، مصمم دار «ديور» الحالي، من دون أن ننسى مصممات يفهمن بنات جنسهن من مثيلات، ميوتشا برادا، دونا كاران، ستيلا ماكرتني، وغيرهم ممن يحاولون تبرير أسعارهم بمنح القطعة الواحدة عدة وجوه ووظائف بالإضافة إلى الإتقان والتفصيل المميز الذي لا يعترف بزمن، والأقمشة المترفة والعملية لا تتجعد بسرعة.
ما انتبه له هؤلاء أن أزياء العمل في المؤسسات الكبيرة لا يجب أن تكون مملة بأن تقتصر على التايور، بل يمكن أن تشمل فساتين مفعمة بالأنوثة والأناقة حتى عندما تكون من نفس قماش البدلة الرجالية، أي من الصوف المقلم بخطوط عمودية رفيعة، مثلا، أو تنورة مع قميص بلمسات مبتكرة وإكسسوارات غير مألوفة مثل ربطة عنق.
أما فيما يتعلق بإبراز الأنوثة، فإن العديد من المصممين الحاليين يتفقون بأن السر فيها يجب أن يكون في التصميم لا في الكشف عن مفاتن الجسد. وهذا ما ترجموه في تصاميم تتميز بأكمام طويلة وياقات عالية وألوان تتباين بين الأسود والرمادي والأزرق النيلي مع جرعات خفيفة بين الفينة والأخرى من الأحمر والبيج أو ألوان النيون.
وهم بألوان النيون يخاطبون شريحة الشابات في المقام الأول، لكنهم عموما يخاطبون نساء يتبوأن مراكز عالية تتطلب مظهرا لائقا، ويتقاضين أجورا عالية تسمح لهن بشراء أزياء تعكس قوتهن في المكتب كما في رسم الخريطة الشرائية العالمية.
المشكلة بالنسبة لهن تكمن في عدم توفر الوقت الكافي الذي يسمح لهن بالبحث عما يناسبهن في الأسواق، وهذا ما غطته الموضة هذين الموسمين بطرحها كما هائلا من الأزياء التي تجمع عناصر الأنوثة والعملية والعصرية في تشكيلاتهم، بحيث لا مجال للحيرة أو لتضييع الوقت.
المتابع لأحوال الموضة وتغيراتها، لا بد وأن يلاحظ أنها قبل 2009، كانت تتسابق على كسب ود نوعية مختلفة تماما من النساء بالمقارنة بتلك التي يتوجهون لها حاليا. في ذلك الوقت كانت تضم شريحة تريد استعراض جاهها ونجاحاتها بعد أن حققت أموالا طائلة في البورصة وتتوق أن تستمتع بكل ما اكتسبته.
وهكذا بدأ المصممون يتنافسون على طرح الأغلى واللافت فيما يتعلق بالأزياء أو الإكسسوارات لها. لكن شتان بين الأمس واليوم، فالتفاصيل البراقة والتطريزات الفخمة تقتصر الآن على موسم «الهوت كوتير» أما فيما يتعلق بالأزياء الجاهزة، فهي تتميز غالبا بالهدوء والبساطة حتى عندما تحاكي الـ«هوت كوتير» في رقيها.
أسعارها لا تزال عالية، لكن تصاميمها وأشكالها تتجنب المبالغة ولا تتكلم لغة المال بشكل فاضح. وفي حالة ما أسهبت في التطريزات أو الترصيعات، فهي تسلك طريقا ذكيا وفنيا لذلك حتى تبرر بريقها.
والسبب أنها موجهة لامرأة قوية، واثقة من أسلوبها، تعانق أنوثتها ولا تحاول التنصل منها أو إخفاءها. فالتايورات التي شاهدناها مؤخرا تختلف كثيرا عن تلك التي ظهرت في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.
آنذاك كانت تتمتع بأكتافها البارزة بحيث تبدو فيها المرأة وكأنها متوجهة إلى حرب، ولا عجب في ذلك، لأنها في تلك الفترة كانت تخاطب امرأة لا تزال تحاول فرض نفسها في عالم الرجال. أما الآن، فهي لم تعد بحاجة إلى إثبات الذات بعد أن اكتسبت الثقة وفرضت نفسها، مما ولد لديها قناعة بأن أنوثتها لا تتعارض مع إمكانياتها وكفاءتها.
نتيجة هذه القناعة تجسدت في تصاميم هادئة وناعمة، وحتى عندما تسرق تايورا من الرجل، فإنها لا تحاول التمويه عن ذلك بتنعيمه من خلال مجوهرات مثلا، بل تسعى من خلاله للحصول على لمسة شقاوة ومرح، تشير إلى أن الموضة بالنسبة لها لعبة ممتعة لا تمنعها من دخول عالم الرجل من بابه ومن دون مواربة.
بعبارة أخرى يمكن أن تفرض نفسها في عالمه، من دون أن تتنازل عن هويتها ونعومتها، وهذا ما كان، وما ركز عليه مصممو اليوم. فعندما فصلوا لها تايورات بأسلوب رجالي، لم تكن نيتهم تجريدها من أنوثتها بقدر ما كانت خلق نوع من الإثارة التي تعزز أنوثتها. الأهم من هذا أن هذه التصميمات عملية في بساطتها وفي قدرتها على أن تناسب النهار والمساء على حد سواء، أي اجتماع عمل أو حفلة كوكتيل.
حقائب عمل موجهة للمرأة الأنيقة والعاملة
كونها حقائب عمل موجهة للمرأة الأنيقة والعاملة، لا يعني أنها يجب أن تكون عملية ولا شيء آخر إلى حد أنها قد تصيب بالملل. نعم لا بأس أن تكون كبيرة، ولا بأس أن تتوفر على جيوب عديدة وألوان حيادية، لكن لا بأس أيضا أن تكون بتصميم جذاب وخامات مترفة وألوان شهية حتى تنعكس على الأزياء التي تكون في الغالب بألوان هادئة.
فدور الإكسسوارات في هذه الحالة هي حقن الأزياء بجرعة انتعاش وحيوية متوازنة. هذا ما لبته دار «ديور» في مجموعتها «ديوريسيمو»، التي لن نستغرب إن أصبحت جزءا من الزي الرسمي للمرأة العاملة والأنيقة في الوقت ذاته.
فهي حقائب بحجم كبير لكن ليس ضخما، ويمكن أن تحمل فيها المرأة ملفات العمل أو ما تحتاجه في نزهة على الشاطئ بالإضافة إلى الأساسيات من تليفون وآيباد ومستحضرات تجميل وغيرها.