“الصمت”.. عدو المرأة الأول

مقالات
11.9K
1



بقلم: نورا محمد حنفي

– قمع.. ذل.. استبداد.. عنف..

كلها لحظات تمر على المرأة ولا تجد أمامها إلا أن تفر من ساحة المعركة بما تملكه من كنوز الأرض كما اعتبرته:”عيالها”، بصرف النظر عن مكسبها كإنسان، لا تكترث بأي شيء سوى أن تُبقي صغارها على قيد السعادة والأمن والإطمئنان، ولكنها على دراية بأن هذا سوف يُكلفها الكثير والكثير، قد يُكلفها عُمرها وزهرة شبابها من أجل أن تحافظ على شبابهم، لتقع في حفرة الزمن الذي لا يرحم، فتجد أن أيامها تتوالى عليها وهي ماثلة أمامها تنظر إلى شيب رأسها وهو يُغير من ملامح أنوثتها رويدًا رويدًا، وبالرغم من ذلك فهي تقف أمام تيار العُمر كالجبال الشامخة، لا يؤثر فيها زلازل العالم بأسره، لا تتحرك فيها ذرة خضوع، ثابتة ليس لأجلها، إنما لأجل من تحملت مسؤولية وجودهم في الحياة الدنيا.

واجهت المرأة في يومنا هذا العديد من التحديات، خرجت من بعضها سالمة غانمة لم يمس منها الألم “شعرة واحدة”، ومن البعض الآخر على قبر أحلامها!، مُكفنة لا روح فيها ولا وجود لها يُذكر!، ولكن التحدي الأصعب لها على الإطلاق هو ما تواجه فيه عدوها العنيد الذي يتسلح بأشرس الأسلحة لمواجهتها، وتقف هي أمامه بلا شربة ماء واحدة تبلل بها حلقها كي تقوى على الصمود أمامه!، لتصبح المعركة محسومة من قبل أن أعرض أطرافها، النتيجة واضحة وضوح الشمس في وهج النهار، المرأة تتأوه أمام عدوها اللدود دون أن يرأف بحالها الرث ولو بتأجيل جولته الجديدة في معركته ضدها، ولو بجبر خاطرها وإعلانها الفائزة وإن وقعت ضريحة دماء صبرها وتحملها، أو بالعدل والإنصاف والمواجهة بشرف ليس باستغلال قواها المُنعدمة!، ولكنه يفوز في كل جولة وكل محاولة وكل حرب يشنها على أناملها الضعيفة.




هو “الصمت” يا سادة، مُدمر الإنسان وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة في رسم مسار حياته، الآمر الناهي، أن تقع في قبضته فأنت الهالك لا محالة، وأن تنتصر عليه فقد أثبتت أنك تستحق الحياة..

ولكن ماذا عن المرأة؟، هذا المخلوق الضعيف الذي يسكن السماء بكلمة حانية رقيقة حملت معاني الحب والألفة، وتشق سابع أرض إن وقع عليها كلمة عتاب واحدة وإن كانت كل جريمتها هي “ملح زيادة في الأكل”!، كيف تواجه المرأة هذا الكيان القاسي الذي يتخلل روحها حتى يطغى عليها بكل جوارحها؟، لتقف هي أمامه مسكينة لا تقوى على الرفض، وكيف ترفض وهو المسيطر على إرادتها بكل ما يملك من قوى؟!.

تنزل المرأة أرض معركتها ضده مع أول كلمة تقع عليها كالصاعقة: “هطلقك لو ماسكتيش”، ومرورًا بلحظات كثيرة تشعر من خلالها بأنها في مهب الريح، وهو ما تؤكده أسرتها عندما تلفظها بلا رحمة بعد أن تتلقى صفعة الخذلان من زوجها، “اسكتي وكملي معندناش حد بيتطلق”، من هُنا تبدأ المرأة بحزم أمتعتها والاستعداد لرحلة طويلة شاقة تواجه فيها عدو وجودها على قيد الأمن والاستقرار، وبدلًا من أن تدخل أرض مطبخها لتحضر أشهى وأطيب الأكلات، تجر خطواتها نحو أرض المعركة في خوف وتردد وخيبة أمل!، فتبدأ سلسلة من التساؤلات تفيض على عقلها الذي لم يواجه تساؤل أصعب من: “هنعمل أكل إيه النهاردة؟”، لتصبح تساؤلاتها أشد وأعنف وتتكاتف هي الأخرى لشن حربًا عليها لتدمير قوتها الهزيلة الأقل من أن تواجه بها “صرصور” في غرفة نومها!.

-“ولادك مش هتشوفيهم لو اتكلمتي تاني”..

تحاول الزوجة بكل الطرق أن تصل لحلول جذرية لمشكلات تواجهها في منزل الزوجية، أو لحلول مؤقتة تكفي لأخذ استراحة من النزاعات والخلافات المستمرة، تفتش هنا وهناك عن أسباب المشكلة لتضع لها الحد وتنتهي دون خسائر أو تفاقم لحجمها، ولكن .. ثمة لحظة ينتهي عندها كل شيء، عندها تصبح كل الطرق لا تؤدي إلى الاصلاح، لتقع المرأة في مفترق طرق: الانفصال والخروج بالمعروف وكتابة نهاية لقصتها التي بدأت بالورد والشموع وانتهت كجريمة قتل كانت فيها المقتول، أو أن تستمر في زيجتها ولكن بخسارة لحقها في أن تُفرغ ما في قلبها، أن تخسر حقها في الاعتراض أو التنبية، أن تخسر حقها في التعبير عن وجودها زوجة وأم وصاحبة مكان وعضو فعال في أسرتها الصغيرة، وهو الأمر الذي يعود لعدة أسباب أهمها تهديد الزوج بالأطفال، الأطفال التي تُمثل “لوي الدراع” في لحظات الغضب، وهو الأمر الذي بدوره يقصم ظهرها ويردها إلى التفكير من جديد في إتجاة وشكل العلاقة، تُعيد حساباتها من جديد وإن كانت محسومة، ولكن الضريبة أكبر من حريتها، المقابل يكفي أن يهدم إنسانيتها في لحظة ويُعيق مجرى حياتها، فلا حرية أو سعادة يمكن أن تُعيد لها طعم الحياة الحقيقي، السبب الأول والأخير الذي تحيا لأجله ولا شيء سواه.

-“هتسكتي هسكت ونفضها سيرة”..

يلعب الزوج في اشتداد الأزمة دور المساومة؛ فيوضح هو عرضه الثمين أمام الزوجة وعليها أن تختار، الصمت مقابل الحياة!، السكوت أمام نظرة من عيون أحبابها الصغار، موت قلبها أو النجاة بنبض أطفالها، وعندها تصرخ الزوجة صرختها الكبرى، صرخة المستغيث الذي لا يجد من يمد له يد العون، الغريق الذي يحتضنه قلب المحيط ويأبى أن يتركه بسلام، تقع المرأة في ورطة لم تحسب لها حساب، واليوم وقفت تصارع عدوًا جاء من اللاشيء!، والمؤسف أن من كان السبب في اطلاق سراحه هو من آمنت بمحبته واتخذته شريكًا لرحلتها على الأرض، وثقت به حتى أنها أنجبت منه من يحمل اسمه؛ لتستمر سيرته حتى الساعة، ولكن..كيف تحول إلى هذا الوحش المخيف في غمضة عين؟، وكيف أصبحت الأطفال هي طعنة الغدر التي تشق الصدر بعد أن كانت سبب الحياة؟!.

اليوم أصبحت المرأة شريدة دون أطفالها، غريزة الأمومة داخلها يُكتب عليها اليُتم، اليوم، لا مجال للتفكير أو المحاولات، “السكوت علامة الرضا”، قالوها قديمًا ولكن في وصف صمت آخر، صمت يعقبه “بل الشربات والزغاريط”، الآن أصبح الصمت يدل على خضوع وامتثال لأوامر الزوج، ليُكمل هو حياته في هدوء، وتقع هي في كوابيس الخرس!.

– “عار”.. حُجة الأسرة في خلاص ابنتهم من سجن مؤبد!.

تقع الأسرة في مأزق كبير بعد أن تذهب إليهم الابنة غاضبة ودموعها لم تجف، حاملة “شنطة هدومها” وبعض الأمل في إنقاذ العلاقة دون المساس بالأولاد، ولكنها لا تملك سوى أن تخرج من حدود بيتها لكي تحتمي بالسند وترتمي في أحضان قوتها الحقيقية، أو كما حسبت هي!، فتواجه صدمة جديدة قد تكون الأقسى من أي صدمة وقعت على رأسها!، وهي صدمة الرفض والنكران الذي تجده من أهلها، لتتراكم عليها مطالب العودة إلى بيتها والحفاظ على أولادها من “بهدلة” المشاكل والانفصال، لتعجز عن الرد أمام ألسنتهم التي وضعتها موضع “الدلع”، حتى أنهم يتهموها بأنها لا تحمد الله على نعمة البيت والزوج والأطفال وغيرها لم يحصل على ربع ما هي فيه!، ولكن ماذا عن قلبها المفطور كل ليلة؟، ماذا عن القشرة الإجتماعية التي يراها البشر وهي تشعر بالوحدة بجانب زوج لا يشعر بها؟، هل تستمر في علاقتها من أجل مجتمع فرض شروطه هو لا شروطها؟.

“مش مرتاحة”.. ما أن تقولها بصوت تحرر من قيود الخوف، حتى تتشابك الأسرة في نهش أمنها لتواجهها بأبشع سؤال:” والناس يقولوا علينا إيه؟”.. وهُنا تدرك أن قدومها لهم لن يُجدي نفعًا وأن جوابهم لا يحتاج إلى توضيح أكثر.. “الرسالة وصلت”..

لتعود حيث جاءت، وتقابل سؤال ينتظرها على سرير الزوجية ليُحدد طريقها: “هتكملي وتسكتي ولا نخلص وأخد العيال؟”..

لينتهي بها الأمر بصمت إجباري تُزيل قسوته ضحكات الأبناء..

فهل تخرج المرأة من تحكم الصمت وكتابة فصل جديد لها ولأطفالها أم أنه حكم نهائي لا رجعة فيه؟.





تعليقات الفيسبوك