تتميز الأزياء النسائية الكردية، لا سيما، الشائعة على نطاق واسع في الجزءين الشرقي والجنوبي من كردستان، اي اقليم كردستان العراق، وكردستان ايران ببريقها ولمعانها والوانها الصارخة، التي تسر الناظر وتستقطب الانتباه حتى من مسافات بعيدة.فالاقمشة المستخدمة فيها مصنوعة وفق مواصفات معينة تجعل الزي الكردي النسوي فريدا من نوعه بين جميع الازياء الشعبية الاخرى المعروفة لدى شعوب العالم.
فـأزياء المرأة الكردية تتألف في هيئتها الاعتيادية من دشداشة طويلة تغطي في الغالب اخمص القدمين، وذات كمين طويلين يرتبطان بذيلين مخروطيين طويلين ايضا يسميان في اللغة الكردية بـ «فقيانة».
وفي الغالب تخيط هذه الدشداشة من قماش شفاف جدا ذي خيوط حريرية ناعمة الملمس ومطرزة بأنواع مختلفة من المنمنمات والحراشف المعدنية البراقة الشبيهة بحراشف السمك، وترتدي المرأة الكردية تحت هذه الدشداشة العريضة قميصا داخليا رقيقا وحريريا، لكنه ذو لون داكن وغير شفاف ليصبح بمثابة خلفية عاكسة للدشداشة الشفافة، مع العلم ان القميص التحتاني كان يخيط في السابق بشكل واسع وعريض، لكنه اصبح الآن ضيقا ومفصلا يلتصق بجسد لابسته لإظهار مفاتن قامتها على نحو واضح طبقا لتطورات الموضة.
اما الجزء العلوي من هذا الزي فانه مؤلف من سترة قصيرة جدا بلا أكمام لا يزيد طولها على 25 سنتيمترا تخيط في الغالب من نوع خاص من الاقمشة المغطاة كاملة بالمنمنات والحراشف المعدنية البراقة بغية اضافة المزيد من اللمعان الى الزي باكمله.
وفي موسم الشتاء تستبدل هذه السترة القصيرة بأخرى طويلة تصل الى اسفل الكعبين وذات كمين طويلين وتحاك من نفس الاقمشة، وعادة ما يتم تنسيق الألوان بدقة متناهية بين لون قماش الدشداشة الرقيقة والقميص الداخلي والسترة القصيرة والسروال الطويل الذي تمتد اكمامه الضيقة الى اسفل الكعبين، الذي يحاك في الغالب من الاقمشة الحريرية ذات البريق الساطع، حتى تبدو لمن ينظر الى المرأة التي ترتدي هذا الزي الشعبي بصورته الكاملة، وكأنه ينظر الى لوحة فنية لرسام متذوق جمع فيها كل الوان الطيف الجذابة وابدع في التنسيق والمزج بينها لتظهر على هئية موزاييك يثير الاعجاب والاندهاش، لا سيما اذا كانت التي ترتديه فتاة جميلة ذات قامة ممشوقة وفارعة.
وتحرص المرأة الكردية غالبا على ارتداء هذا الزي الفسيفسائي الجميل في المناسبات السعيدة، وتعمد سيدات او بنات الاسر الثرية الى ارتداء الأحزمة الذهبية التي يزيد عرضها عن عشرة سنتيمترات التي تصنع خصيصا لهذا الغرض وبمبالغ باهظة، حيث تربط حول الخاصرة امعانا في المزيد من الاثارة واظهار المفاتن.
وتمعن بعض السيدات او الفتيات الثريات في التعبير عن ثرائهن بارتداء قبعات مطرزة بالجنيهات الذهبية «الليرة» المرتبطة بسلسلة ذهبية غليظة تتدلى من اسفل الفك، اضافة الى سلسلة ذهبية طويلة يتم ارتداؤها بطريقة الوشاح الذي يرتديه القضاة في المحاكم وتحمل معها قطعا اسطوانية مجوفة من الذهب تفصلها قطع من الجنيهات الذهبية من عيار 24 قيراطا.
اما ذوات الإمكانات المحدودة، فإنهن يستعضن عن الاحزمة الذهبية والقبعات المطرزة بالجنيهات، بأخرى تشبهها في التصميم، لكنها مصنوعة من المعادن العادية المطلية بلون الذهب او بالاكسسوارات المشابهة، في حين ترتدي النسوة في كردستان الايرانية احزمة حريرية سميكة وذات الوان جذابة عوضا عن الاحزمة الذهبية.
وطوال القرون والعقود السالفة، ظل الزي الكردي بنوعيه، الرجالي والنسائي، ثابتا من حيث التصميم، رغم التغيير المستمر في نوعية الاقمشة المستخدمة في حياكتهما، تبعا للتطورات الحاصلة في عالم صناعة الاقمشة، لكن العديد من المصممين المتخصصين في الازياء الكردية، عمدوا اخيرا الى ادخال تغييرات نوعية في تصميم هذا الزي الفلكلوري الشعبي الذي ظل لعصور طويلة عصيا على تيار الموضة الجارف، من خلال المزج بين التصاميم المتبعة في الاجزاء الاربعة من كردستان، واضافة لمسات اخرى عليها للخروج بنماذج وتصاميم جديدة تنسجم مع روح العصر وصيحات الموضة، كما فعلت المصممة الكردية المغتربة دلكش مراد، التي قدمت في عرضين منفصلين رائعين في مدينتي اربيل والسليمانية خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي
نماذج غاية في الجمال لما أضفته عليها من لمسات عصرية.
اما المصممة الشابة «بيمان محمد شريف» 32 عاما، التي تعمل في مجال خياطة هذا النوع من الازياء في السليمانية منذ عشر سنوات، فلها رأي مختلف.
فهي تعتقد ان التصاميم الجديدة للزي النسائي الكردي تكاد تفقد هذا الزي الفلكلوري الشعبي، الذي يرمز الى المرأة الكردية، ميزاته الخاصة الموروثة عبر الاجيال كونها تغييرات شوهت تصميمه الاصلي.
فالدشداشة لم تعد طويلة كما في السابق، وتلاشت اكمامها الطويلة «الفقيانة» التي تربط نهاياتها مع بعضها من الخلف، كما أصبحت السراويل ضيقة جدا وقصيرة، كذلك القميص الداخلي والسترة العلوية وغابت الاحزمة والقبعات.
وأضافت «بيمان» ان الموضة الأنيقة والعصرية مطلوبة، خصوصا بالنسبة للسيدات، لكنها ليست ضرورية بالنسبة للأزياء الشعبية التي «ترمز الى فلكلور وتراث شعب بأكمله، لأن اعتماد هذه التغييرات الهائلة سيقضي على ملامح الزي النسوي الكردي، التي ينبغي ان نحرص على ابقائها كما ورثناها من اجدادنا، كما هو شأن بقية الشعوب التي تحرص على صيانة اصالة ازيائها القومية باعتبارها جزءا من تراثها القديم».
وتشتهر اسواق مدينتي السليمانية واربيل بوجود العشرات من المحلات الضخمة المتخصصة فقط ببيع الاقمشة النسائية، التي تستخدم في خياطة الازياء النسائية الكردية.
في هذا الصدد يقول جميل علي، صاحب اكبر متجر لبيع الاقمشة المستوردة في السليمانية، ان معظم الاقمشة المتوفرة في متجره يتم استيرادها من الصين، مضيفا «ان شركات متخصصة تعمل على تصنيع هذه الاصناف من الاقمشة وفق المواصفات التي نقدمها نحن في كل زيارة الى الصين، كذلك الحال بالنسبة للأقمشة الهندية ذات الجودة والمواصفات العالية».
ويتابع علي في حديثه، ان الاقمشة الصينية تمتاز بالجودة والاناقة رغم أسعارها الرخيصة، اذ يتراوح سعر المتر الواحد منها بين 3 ـ 5 دولارات فقط، مقارنة بالاقمشة الهندية التي يمكن اعتبارها غالية الثمن بعض الشيء.
ويؤكد أن شقيقه الأكبر يتردد كل شهرين على الصين والهند لاستيراد هذه الاقمشة التي تصنع خصيصا لمتجره، مضيفا ان اعلى معدلات البيع تسجل في الربيع، حيث اعياد نوروز التي تقترن بالرحلات السياحية والحفلات والمناسبات السعيدة في المجتمع الكردي.
لذا فان اقبال النساء، خصوصا الفتيات والعرائس، على شراء الاقمشة الداخلة في الازياء الشعبية يسجل اعلى مستوى له في هذا الموسم. ويؤكد أيضا بأن كلفة الزي الكردي متكاملا، على ان يكون من اجود انواع القماش، تصل الى 250 الف دينار عراقي اي ما يعادل 200 دولار اميركي.