غالبا ما يلقي المجتمع والأسرة لوم الخيانة الزوجية على الزوجة، وكثيراً ما يقال لها عبارات توحي بأنها لو اعتنت بنفسها وزوجها أكثر لما وصلت لهذه النتيجة التي تؤدي إلى دمار الأسرة بكاملها وتؤدي أيضا إلى خلق كسر بين الزوجين يصعب علاجه ، ربما يكون في الأمر شيء من الصحة، لكنه ليس السبب الوحيد والفعلي خلف الخيانة، فالخيانة لا يمكن أن تقتصر على الرجل وحده أو على المرأة فقط، فهي ظاهرة مشتركة بينهما ويعود ارتكابها إلى العديد من الأسباب المختلفة والمتنوعة التي يكون سببها الطرفين معا، ولمناقشة هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة التي أصبحت تجتاح المجتمعات بصفة عامة أجرت مجلة المرأة العربية هذه المقابلة مع البروفيسور والأخصائي في علم النفس الدكتور إبراهيم الملالي الذي كشف لنا في حديث خاص الكثير من التفاصيل في هذا الموضوع .
الخيانة الزوجية ظاهرة سلبية منبوذة
أول سؤال يتبادر إلى الدهن دكتور إبراهيم والذي قد يخطر على بال الكثيرين وهو ما هي الخيانة الزوجية من المنظور النفسي ؟ وكيف يمكن أن تحدث داخل مؤسسة الزواج ؟
“الخيانة الزوجية علاقة غير شرعية خارج إطار الزواج تقوم بين أحد الزوجين وبين طرف ثالث خارج العلاقة وقد تحدث لوجود أسباب ومبررات وقد تحدث دون سبب واضح، وهي مشكلة موجودة وقائمة منذ زمن طويل وليست أمرًا حديثًا، ونجدها في كافة المجتمعات وفي كافة العصور وجميع البلدان، ولا تقتصر على فئة دون الأخرى بل تتواجد في كافة طبقات المجتمع وليس لها عمر محدد، وهي علاقة تجمع أحد الأزواج مع طرف آخر خارج إطار الزواج ، وهي ظاهرة سلبية منبوذة كونها تخرج عن النظام المتفق عليه ،وهنا يمكن اعتبار مسألة تعدد الزوجات كنوع من الخيانة الزوجية إلا أنها تدخل ضمن الإطار المقنن عن طريق الشرع والقانون وعن طريق الاختيار وكذا في العلن .”
الخيانة الزوجية ظاهرة تاريخية قديمة جدا
هل الخيانة الزوجية حديثة العهد أم تنتشر في المجتمعات من سنوات عدة ؟ وما هي الأسباب التي ساهمت في انتشارها بهذا الشكل الكبير ؟
” ظاهرة الخيانة الزوجية هي ظاهرة لا يمكن القول أنها برزت في السنوات الأخيرة بشكل كبير، بل يمكن القول أنها كانت منذ القديم إلا أنها لم تكون بارزة مثل اليوم، وقد ساهم في هذا الأمر مجموعة من العوامل التي يعد الانفتاح الحادث في المجتمعات أولها و جعل الكثيرين يتحدثون عن مشاكلهم ويبوحون بها، ففي السابق قد يخجل البعض من الاعتراف بوجود مشكلة ما في حياته الزوجية كالخيانة الزوجية، أما اليوم فأصبح العالم أكثر انفتاحًا، بالإضافة لزيادة العوامل التي تساعد على حدوث الخيانة الزوجية، منها تحرر المرأة وانتشار تلك التيارات الحقوقية التي تدعو إلى حرية المرأة ، وبغض النظر عن الجانب الشرعي والديني والقانوني، فهذه التيارات وصلت إلى نوع من التحرر لا تعتبر فيه الخيانة الزوجية خيانة وإنما هي مسألة حرية شخصية إذ تؤكد أنه لطالما كان للشخص كامل الحق في التصرف في جسده الذي يعتبر ملكا له وليس ملكا لأي شخص آخر كيفما شاء ومع من أراد ذلك .”
أسباب عدة تدفع أحد الطرفين إلى ارتكاب جرم الخيانة الزوجية
هل يمكن القول دكتور أن الخيانة الزوجية تقتصر فقط على أحد الطرفين داخل المؤسسة الزوجية أم هي فعل مشترك بينهما ؟
” الخيانة الزوجية لا يمكن أن تقتصر فقط على الرجل أو على المرأة ، رغم أن الفكرة السائدة في المجتمعات تقود دائما بمجرد ذكر الخيانة الزوجية إلى أن الرجل هو مرتكبها ، في حين تبقى هذه الظاهرة مشتركة بين الرجل والمرأة معا، إلا أن الرجل بحكم تكوينه وفطرته وجيناته قد يبادر للدهن أن الرجل لا يكتفي بزوجته فقط ، مما يدفعه لخيانتها مع أنه لا توجد خيانة قائمة على طرف واحد فكل خيانة زوجية تتم يكون طرفاها رجلا وامرأة، سواء كانت تلك المرأة زوجة أم لا، بالإضافة إلى أننا بتنا للأسف نجد ازديادا في حالات الخيانة الزوجية من قبل الزوجات، فلا يمكن التعميم بأن الرجال أكثر خيانة من النساء أو العكس،كما أن هذه الظاهرة المنبوذة تختلف في دراجاتها فبمجرد النظر أو التفكير في طرف ثالث بخلاف شريك الحياة بشيء من المشاعر والعاطفة يعتبر ذلك خيانة بالفكر تتدرج للمحادثات الهاتفية والرسائل والدردشة في الغرف الحوارية انتهاء بالوصول لجريمة الزنا والوقوع في الخيانة الزوجة .”
الاضطرابات في شخصية الفرد تساهم في ارتكاب جرم الخيانة الزوجية
هل يمكن دكتور أن تكون الخيانة الزوجية مكتسبة أم وراثية لدى الأشخاص؟ ومن المتأثر أكثر من الخيانة هل هو المرأة أم الرجل ؟
“هناك بعض أنماط الشخصية في علم النفس تعتبر خائنة بفطرتها لسد خلل موجود في الشخصية نفسها كما هي الحال في الشخصية الهستيرية أو الشخصيات التي تعاني من عدم تقبل لذواتها أو الشخصيات التي لديها جموح جنسي، فأنماط تلك الشخصيات تعتبر أنماطا خائنة بالفطرة حتى وإن توفرت لها جميع السبل السليمة لحياة زوجية مستقرة وصحيحة، نجدهم يبحثون عن طرف ثالث لإقامة علاقة غير شرعية، وذلك بسبب وجود اضطراب في الشخصية وتحدث منهم الخيانة دون وجود أسباب أو مبررات، وهناك اختلاف بالنسبة للمرأة فنجد أن المرأة التي تمتلك شخصية نرجسية وحب الظهور ورغبة في لفت الأنظار تلجأ للخيانة كوسيلة تستمد من خلالها ثقتها في نفسها بتعدد علاقاتها العاطفية، إلا أن هذا الأمر غالبا ما ينتهي بالندم لديها عكس الرجل الذي يقوم بنسيان الموضوع بمجرد الانتهاء منه ، في حين تبقى المرأة تلوم نفسها أكثر على ارتكابها لهذا الأمر ، حتى أن أغلب الحالات التي تعترف بذلك وتتجه إلى العلاج النفسي هن النساء ، عكس الرجال تماما .”
تنوع الأسباب وتعددها يساهم في انتشار الظاهرة في المجتمع
ما الدافع وراء ارتكاب جرم الخيانة الزوجية هل هو إشباع الرغبة الجنسية أم العاطفية ؟
” لا يشترط من المنظور النفسي أن يكون السبب في الخيانة الزوجية هو الرغبة الجنسية فقط، لأن هناك أسبابا عاطفية ونفسية متعددة قد تدفع أحد الطرفين للخيانة بهدف الإشباع العاطفي وقد يتدرج الأمر ليصل لعلاقة محرمة أما الرغبة الجنسية كدافع أساسي لا يمكن أن يتم تعميمه على كافة الحالات، ويمكن تحديد مجموعة من الدوافع التي تقود الأفراد إلى ارتكاب الخيانة الزوجية والتي تتعلق بالرجل والمرأة معا ويشتركان فيها معا وأهمها: وجود مشكلة صحية تعاني منها الزوجة لفترة طويلة، عدم اهتمام الزوجة بنفسها بعد مرور وقت طويل على الزواج، انصراف الزوجة واهتمامها بالبيت والأبناء وإهمالها لزوجها، إضافة إلى تفاوت الرغبة الجنسية بين الزوجين وهذا الأمر منتشر بشكل كبير فنجد الزوجة لا تستطيع الوفاء بحاجة زوجها ومتطلباته من هذه الناحية، رفض الزوجة فكرة زواج الزوج بأخرى وقبولها لمسألة الخيانة، كما أن اختفاء العاطفة الوجدانية بين الزوجين والحوار المشترك ووجود فراغ فكري ونفسي وعاطفي لدى الزوجين معا من الأسباب المؤدية للخيانة كذلك .”
التطور الحاصل في المجتمع من بين الأسباب الرئيسية في تفشي الظاهرة
دكتور هل يمكن القول أن الانفتاح السائد في المجتمعات من الأمور التي أدت إلى ارتفاع نسبة الخيانة الزوجية في العالم؟ أم أن هناك أمور دفينة لا يمكن تحديدها؟
” طبعا يمكن إرجاع نسبة الارتفاع الكبيرة التي أصبحت تعرفها ظاهرة الخيانة الزوجية داخل المؤسسة الزوجية إلى الاختلاط الزائد في العمل، إضافة إلى الإعلام ووسائل التواصل الحديثة وما أحدثته من تسهيل التواصل بين الناس ساهم في ارتفاع نسبة الخيانة الزوجية، فضلا عن تبرير وتقبل المجتمع لخيانة الرجل، إضافة إلى غياب دور الزوج الحقيقي عن أسرته وزوجته على وجه الخصوص، فقد يتواجد ولكنه كالحاضر الغائب، وغياب الزوج لفترات طويلة عن الزوجة سواء بالسفر أو طول ساعات العمل، مما يوقع المرأة في دائرة الحرمان النفسي والعاطفي فتصبح فريسة سهلة، وقوع الزوجة في حالة من الفراغ النفسي والعاطفي وغياب التلامس الجسدي واقتصار الالتقاء على العلاقة الحميمة، دون تبادل أطراف الحديث أو الحوار بينهما ، فضلا عن ضعف شخصية الزوج وعدم توافق صورته مع الصورة الذهنية في مخيلة المرأة مما يجعلها تبحث في المحيطين بها عمن يملأ تلك الصورة.”
الانسجام والتفاهم والعاطفة المتبادلة أكثر ما يقضي على الخيانة الزوجية
ما هي الأسباب الرئيسية التي يمكن اعتبارها الأكثر انتشارا بين جميع دول العالم والتي تؤدي إلى انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير بين الأفراد ؟
“هناك نوع من الأسباب الأخرى التي قد لا يهتم بها الكثير من الأفراد ولا يعيرها انتباها إلا أنها تبقى من الأسباب الرئيسية التي يعيشها الأزواج في حياتهما الزوجية والتي تتجلى في التطور الذي تشهده العلاقة ومراحلها في حياة الطرفين حيث ينتقل الأزواج من المرحلة الأولى التي يكون فيها الزوجين في أوج عطائهما من الحب والحنان والانسجام والعاطفة المتبادلة واندماج كبير لدرجة أنها تسمى في علم النفس ” واحد زائد واحد يساوي واحد ” ، لا سيما في بداية الزواج ، ثم يأتي الانتقال إلى المرحلة الثانية التي يرجع كل طرف إلى مكانه الأصلي و تختفي قاعدة ” واحد زائد واحد تساوي واحد ” إذ ترجع إلى أصلها أي تساوي اثنان ، ثم يأتي دور المرحلة الثالثة التي تصبح نوعا من الشراكة التي تجمع الزوجين وغالبا يصبحون فيها أباء تجمعهما علاقة تقتصر فقط على تربية الأولاد ومشاكل الحياة اليومية ، وهنا تحدث الخيانة الزوجية الأولى حتى وإن كان الزوجين مخلصين لبعضهما البعض ، والتي تكون غالبا من الزوج وتكون الزوجة السبب فيها إذ تنتقل من صورة الزوجة إلى صورة الأم التي تهتم بأطفالها على حساب زوجها ويصبح الاهتمام منكب على الأبناء مع إهمال الزوج ، مما يولد لديه نوعا من الخمول الذي يصل أحيانا إلى ضعف جنسي مع زوجته ، وهنا يدفع بنفسه للبحث عن تجديد شعوره ورغبته الجنسية لكن خارج المنزل وبعيدا عن الزوجة التي تصبح في نظره أما .”
الخيانة الزوجية ظاهرة خطيرة وأمر غير مقبول في المجتمع
ما هي الحلول الجذرية التي يمكن للزوجين القيام بها لعلاج ظاهرة الخيانة الزوجية أو لصيانة الحياة الزوجية من انتشارها ؟
مهما اختلفت الدوافع والأسباب من حالة لأخرى فتبقى الخيانة من الزوج أو الزوجة أمرا غير مقبول، والإنسان مسؤول عما يفعله، إلا أن هناك مجموعة من الحلول التي يمكن اللجوء إليها لصيانة البيوت من ظاهرة الخيانة الزوجية والتي تتحدد في أن يقوم كلا الطرفين بمعرفة حقوقه وواجباته جيدا، ويقوم بأداء واجباته قبل المطالبة بحقوقه وأن تبنى العلاقة على الصدق والمصارحة والمكاشفة بين الزوجين في كل صغيرة وكبيرة وأن تكون هناك لغة حوار مشتركة وأهداف مشتركة لكلا الزوجين وأحلاما يحققانها سويًا، كذلك أن حاولا قدر الإمكان خلق الثقة التي تعتبر أساس الحياة الناجحة والمستقرة بين الطرفين، وفي حالة حدوث الخيانة يمكن التوجه إلى العلاج النفسي والاستشارة الطبية لدى الأخصائيين الذين يقدمون كافة وسائل المساعدة والنصائح المهمة للطرفين معا من اجل تجاوز هذه المشكلة وحلها وإعادة الحياة إلى طبيعتها بنوع من الراحة والهدوء والتصالح مع النفس ومع الطرف الآخر .”