في صباح أحد الأيام في خريف عام 1956، شهد صالون في 12 شارع 57، عرضا للمصمم الأميركي تشارلز
جيمس
كان العرض احتفالا بأول خط أزياء لملابس الأطفال، حضرته مجموعة منتقاة من رئيسات تحرير مجلات الموضة،
من بينهن ديانا فريلاند
بإحساس المرح الذي سبق مارك جاكوبس بمدة 50 عاما، استعان جيمس بعارضات في زي ممرضات لعرض أزياء
الصغار
كان نجم العرض هو ابنه، تشارلي، الذي لم يتعد حينها الـ 8 أشهر من العمر، والذي دخل محمولا بين
ذراعي عارضة في زي ممرضة وهو يلبس رداء أزرق اللون
كان من الصعب حينها تفسير سبب اهتمام المصمم بصناعة ملابس الأطفال، فلا أحد من قبله اهتم بها كما
أنها كانت، في ذلك الوقت، قطاعا صعبا، يعج بمصنعين مثل «كيوت توغز» و«بو بيب»، ممن يحاولون تحقيق ربح
من ياردة واحدة من نسيج قطني مخطط
على الجانب الآخر، كانت فكرة جيمس عن ملابس الأطفال، على غرار جميع أفكاره، مرتبطة بمبدأ
في لقاء مع كاتب في صحيفة «نيويوركر» قال إن «معظم الأزياء الأميركية تعتمد على نساء متقدمات في
العمر يحاولن أن يظهرن بمظهر الأطفال»، منتقدا كلير ماكرديل وآخرين ممن قاموا بتصميم ملابس للبالغين
تحاكي ملابس الأطفال
وأضاف
«لقد قلبنا العملية رأسا على عقب»
«ربما لا يكون مصمما تعس الحظ، حيث بدأ أفول
نجمه بعد فترة قصيرة من هذا العرض»، أفضل مقدمة لمقال عن ظهور خطوط ملابس الأطفال التي تحمل أسماء
مصممين معروفين، لكن لا أحد يمكن أن ينكر مدى عبقريته في هذا المجال، الذي اقتحمته في العام الماضي أو
العامين الماضيين، أسماء مثل «لانفان» و«غوتشي» و«ستيلا ماكرتني» و«مارني»
فقبل عقد مضى، لم يحاكِ نموذج «رالف لورين» الأنيق سوى عدد محدود من المصممين، إذ كان لـ«ديور» خط
أزياء «بايبي ديور»، تأسس في عام 1967، وقبل ذلك، تم تصميم أزياء خاصة لبعض الزبائن من المشاهير،
من أمثال إليزابيث تايلور، التي طلبت من «ديور» بدلات مصنوعة من قماش التويد لها ولابنتها الصغيرة
ليزا
لكن قطاع السلع الفاخرة، غالبا ما ينظر إلى نفسه على أنه عالم خاص بالبالغين، وبالتالي لم يكن
يتخيل الكثير من الناس أزياء أطفال من دار «غوتشي» وقتما كان توم فورد مصممها؟ أو «فيرساتشي»
السبب كان أن تلك البيوت ركزت في أواخر التسعينات من القرن العشرين، على الأرباح الضخمة التي
تحققها حقائب اليد، ولم تتحول أزياء الأطفال إلى صناعة تكرس لها جهودها إلا في السنوات الأخيرة
في
العام الماضي، بلغ حجم مبيعات «بربيري» من الملابس الخاصة بالأطفال 91 مليون دولار، مسجلة زيادة
نسبتها 23 في المائة عن العام الماضي
وتوجد معظم متاجر الأطفال الـ 12 القائمة بذاتها التابعة لشركة «بربيري» في آسيا والشرق الأوسط
وبين عشية وضحاها في ما يبدو، اتجهت علامات شهيرة مثل
«أوسكار دي لا رونتا» و«فندي» و«مارك
جاكوبس» و«روبرتو كافالي» و«ميسوني» و«ميلي» و«فيليب ليم» إلى توسيع نطاق متاجرها المتخصصة في
ملابس الأطفال، مثل المتجر الجديد في «بيرغدورف غودمان»
صحيح أنهم لم يزيحوا المصنعين التقليديين، مثل «فلورانس أيزمان» الكائن في ميلووكي و«رايتشل رايلي»،
العلامة التجارية البريطانية، إلا أنهم يمتلكون القدرة على جذب الانتباه أكثر على الرغم من أسعارهم
المرتفعة
تقول رايلي
«أحيانا تصدمني أسعار الملابس التي تحمل أسماء مصممين مشاهير»، مضيفة
«بعض
أقمشتهم متوسطة الجودة» ولا تستحق
وعندما علمت أن أول مجموعة من ملابس الأطفال لـ «لانفان» تضم قميصا من الحرير سعره 1200 دولار،
ومجموعة من الجواهر المزيفة المعقودة بالتول، ومعطفا واقيا من المطر من قماش التافتا بلون الفوشيا
بسعر 1
570 دولارا، صاحت مستنكرة بصوت مرتفع
بعدها، ووفقا لروايتها، انتابتها حالة من الغضب الشديد، كما لو كانت تدافع عن مجموعتها من
الفساتين الفضفاضة وأحذية الباليه متسائلة
«هل هي معدة بحيث تتلاءم مع أجسام الأطفال؟
بالتأكيد لا
إنها نسخة مصغرة من ملابس البالغين
للأطفال كروش كبيرة ويقفون بأشكال
مضحكة وهذه أمور يجب أخذها بعين الاعتبار»
ومع أنها قدمت تنازلات مرة أو مرتين إرضاء للأذواق الشائعة، مثل طرح مجموعتها من الأحذية من دون كعب
الخاصة برقص الباليه بألوان مشعة، ما زالت متمسكة برأيها في أن الأطفال يجب أن يحتفظوا بسمات
الطفولة البريئة، لا أن يكونوا سفراء للعلامات التجارية الشهيرة
تقول
«لا يمكنني تحمل دعاية توظف الأطفال
لماذا يحتاج طفل لامتلاك أي شيء يبدو مثيرا
بشكل مبالغ فيه؟ بالنسبة لي، يبدو الأمر غير أخلاقي»
وعلى الرغم من وجود كم هائل من المنتجات
التي صممها مصممون معروفون يمكن تصنيفها ببساطة كمنتجات أطفال باهظة الثمن، فإن الأمهات الشابات
لسن بالطبع ساذجات
«رائع»، هذا ما قالته إحدى الأمهات على مدونة «إربان بايبي» عن أحدث تعاون بين «ديان فون
فيرستنبرغ» و«غاب كيدز»
علاوة على ذلك، ليس من المرجح أن يهدأن بالا بمعرفة أن مبيعات ملابس
الأطفال زادت بشكل أسرع العام الماضي عن مبيعات ملابس النساء، بحسب مجموعة «إن بي دي»، مع حجم شراء
أكبر من جانب الفنادق الفاخرة
«لا أستطيع تبرير الأسعار»، قالت شانتال سكوت، أم لطفل عمره 5 سنوات تملك «ليفي آند بو»، وهو متجر
لبيع ملابس الأطفال المستعملة في مدينة نيويورك
ونظرا لعملها من قبل لحساب علامة تجارية فاخرة،
تضيف
«أعلم أن تكلفة هذه السلع باهظة جدا بحق»
كانت تعني هامش الربح القياسي، الذي يزيد بالنسبة للسلع الفاخرة بمقدار 7
5 مرة عن التكلفة
الأصلية في محلها
على سبيل المثال، إذا كان سعر فستان 375 دولارا، فستكون تكلفته 50 دولارا
وبالمقارنة، تستخدم شركة تجزئة رأسية – سلسلة مثل «تشيلدرنز بليس» – هامش ربح نسبته 3
5
في المائة
تقول
«منذ فترة ليست ببعيدة، اشترت زبونة فستانا من تصميم «مارك جاكوبس»، أملا في استرجاع
مبلغ الـ 400 دولار الذي أنفقته على هذا الفستان
أخبرتها أن أكبر مبلغ يمكن أن أطلبه مقابله
هو 50 دولارا»
وأضافت
«هذا هو المبلغ الذي يكون الناس على استعداد لدفعه مقابل شراء
سلعة مستعملة»
من السهل أن تشعر بنوع من الصدمة من تلك الأسعار ومن فكرة أن الأطفال، وبخاصة الفتيات الصغيرات،
يتم إعدادهم ليكونوا متسوقين في المستقبل، مع أن صدرية الأطفال لـ «غوتشي» نادرا ما تكون مقدمة
لحقيبة «غوتشي»
لكنها أيضا ليست مبعث قلق جديد، مثلما أشار كتاب وأكاديميون، مثل دانيال كوك، الأستاذ المتخصص في
دراسات الطفولة بجامعة روتجرز في كامدين
«الكثير من جوانب حياة الأطفال والآباء، مقارنة
ببداية الستينات من القرن العشرين، تتركز حول التجارة ووسائل الإعلام»
ويضيف كوك
«إنها أشبه بلغة مشتركة»
الأمر الأكثر جاذبية بالنسبة له هو كيف تمد العلامات
التجارية الفاخرة المعروفة، بكل ما يحيط بها من تألق للمشاهير وفرص مواتية سهلة (ملابس الأطفال
منها)، طبقة متوسطة متعددة الجنسيات، بنفس الموديلات التي تظهر في باريس وبكين، وأيضا في ريو دي
جانيرو
وقال
«ثمة نوع من الطفولة العالمية التي تبدأ في الظهور مع الطبقات المحترفة في العالم، والملابس
ترتبط بذلك»
على الرغم من أرقام المبيعات ذات التأثير الباهر التي يقول المصممون إنهم يحققونها
من خطوط ملابس الأطفال، تقول ميشيل سميث، من «ميلي»، إنها حجزت طلبات بقيمة مليون دولار في موسمها
الأول
فالحقيقة المتعارف عليها أن الملابس التي تحمل أسماء مصممين معروفين ما زالت تمثل إضافة لصناعة ملابس
الأطفال التي يبلغ رأسمالها 32 مليار دولار
بدوره يقوله أندرو روزين، مؤسس علامة «ثيوري»، وهو
يحمل فستانا حريريا لفتاة صغيرة سعره 375 دولارا من تصميم «غوتشي»
«هذا يستهدف نسبة الـ1 في
المائة، أو الأقل من 1 في المائة، من السكان»
وأضاف مشيرا إلى صناع سلع الرفاهية ممن لهم خطوط أزياء الأطفال
«لا أعتقد أن أيا من تلك الأسماء
تقوم بذلك لجني المال
الأمر برمته متعلق بأن تكون أكثر اتساقا مع متطلبات السوق
أنت ترغب في إبقاء العملاء مهتمين بعلامتك»
للتعرف على مدى جدوى هذه الأزياء وما إذا كانت أسعارها مبررة، أتيت لـ «روزين» بالفستان الذي
يحمل علامة «غوتشي»، إلى جانب ثياب أخرى لمصممين منافسين، لأسأله عن رأيه في مستوى جودته
هل
تستحق تلك الملابس السعر المحدد لها؟ عرضت عليه معطفا وفستانا من «لانفان» ومعطفا ثقيلا من «مونكلر»
وتونيك (رداء طويلا) منمقا من «ستيلا ماكارتني»
بشكل منفصل، تفحصت كيندي فيرارا، المتخصصة في مجال الإنتاج التي عملت لسنوات بـ «ليز كلايبورن»
و«دانسكين»، تلك القطع من الملابس والكثير من القطع الأخرى معي في مبنى «التايمز»
لم تبهر فيرارا
أو روزين بدرجة كبيرة بفستان «غوتشي»
أشار هو إلى الدرزة الجانبية، حيث لم تكن الطبعة متماشية، قائلا
«في خط أزيائهم الرئيسي، لم
يكونوا ليفعلوا شيئا مثل هذا»
أما فيرارا، فلاحظت أماكن بالجزء الداخلي، حيث تتجعد
الدرزات
(قال متحدث باسم «غوتشي»، إن النمط، أو الطبعة غير المتناسقة، كان قرارا تصميميا وليس عيبا،
بينما ستحتاج الشركة إلى معاينة الفستان عن قرب للحكم على الدرزات)
بدوره، لم يف معطف
«مونكلر» القصير، المصنوع في رومانيا، بالمعايير المتوقعة
قالت فيرارا
«لا أظن أنهم حققوا إنجازا كبيرا بطرحهم هذا المعطف
هناك تجاعيد، كما أن له
سحابة قديمة مألوفة
كما لا أعتقد أن اللون يتماشى بشكل جيد، فهو يبدو رماديا»
أما
روزين فكان رأيه أن السعر يبدو مرتفعا
رد جوزيف باراتو، رئيس «مونكلر» في كوريا الشمالية
«في بعض الأحيان، ربما تكون هناك درزة لن
يوافق شخص محب للجمال عليها
على الرغم من ذلك، فإن نسبة الربح إلى السعر جيدة»
كان
المنتجان الرابحان هما تنورة ومعطف واق من المطر لـ «بربيري» وتونيك من «ستيلا»
تقول فيرارا
«لا أمانع في إنفاق المال لأجل شراء مثل هذه المنتجات، أو أي قطع من تصميم
«لانفان»، على الرغم من تكلفتها وبعض أخطاء الخياطة فيها»
لكن إذا كانت الجودة تشكل أهمية
بالنسبة لك، فقد حقق صناع ملابس الأطفال التقليديون – «إيسمان» و«رايتشل رايلي» – وفستان من
«أوسكار دي لا رونتا»، تم تصنيعه في البرتغال، نجاحا ساحقا في اختبار التصميمات
وتأمل فيرارا أن يكون هناك مبرر لأسعار أزياء الصغار، بعيدا عن التجارة المحضة وإسعاد العملاء، وأن
يكون هناك شخص مبدع ومبتكر، مثلما كان تشارلز جيمس مع بذله الشمسية، بوضع الدرزات والثنيات
بطريقة معينة، ركز فيها على استدارة جسم الطفل بشكل جيد