قلم فاطمة الكحلوت
تحتاج الكتابة إلى من يتقن أبجدية العزف على الحروف ، والتراقص بالكلمات ، فهي تحتاج إحساساً عميقاً لتثور المشاعر وتتشكل وتتكور على هيئة كلمات ، وكأننا من خلالها نجمع أفراحنا وسعادتنا بالضم ونستنكر أوجاعنا بالكسر ، وكأنها تأخذنا إلى عالمٍ آخر يحتوي مشاعرنا ويحتضننا ويخفف عنّا شعور الوحدة .
الكتابة في الليالي الماطرة …
كم هي مُرة في جوف الليل وتحت عزف المطر عندما تنادي علينا الحروف وتقول لنا اكتبوا أوجاعكم ، اتركوا لهم الرسائل لعلهم يقرأونها ، ضعوا وحدتكم بين هذه السطور …
كم من الصعب أن نُوثق هزائمنا ، أن نعيش الحزن مرتين المرة الأولى عندما نكتب مشاعرنا والثانية عندما نقرأ ونتذكر ما كتبناه فنستعيد بذاكرتنا حزن الماضي ونضمه على الحاضر فيكتمل طقوس الحزن ، أليست مُرةَ الكتابة ؟! عندما نقرأ السعادة التي رحلت عنّا والوطن الذي ضاع من بين يدينا والضحكة التي سرقتها الحياة عنوة ، هل نقول قد تمسكنا بما يكفي والآن وقت أن نتخلى عن كل شئ ونبدأ من جديد ؟ ولكن كيف نتخلى عن الأشخاص اللذين كانوا سطوراً على دفاترنا …عن الأوطان التي تركناها مجبرين على الرحيل ، هل التخلي هو نسيانهم وبدأ الحياة بأشياء جديدة وهل يمكن أن يعوض أحد مكانهم ، وكم سيمر علينا وقت ونحن نواسي أنفسنا بأننا سنجد ملاذنا وسنجد من يداوي جروحنا ومن يشبه روحنا أليست الكتابة قادرة على استرجاعهم ؟! أن نحفظ وجودهم وذكرياتهم بين حروفنا ولكن لا بد أن ندفع ضريبة الاشتياق لهم ولكن لماذا لم يعودوا إلينا ؟ لماذا قرأوا كلماتنا وأغلقوا نوافذهم ورحلوا ، هل هي لم تؤثر بهم أم أنها صماء لا تجلب سوى الحزن ، كم هي مُرة تجعلنا مستيقظين ثم تسجننا في صندوق الذكريات والرسائل وتخبرنا بأنها الحل الوحيد لتخفيف حزننا ، حتى أيامنا السعيدة تجعلنا نُسطرها ونحن بكامل أناقتنا نندفع بقوة لنكتب السطور الأولى والثانية والثالثة لكنها مخادعة في السطر الرابع يملأ الصمت المكان …سكوت وهدوء لدقائق ثم لساعات ثم تسألك الكلمات هل تذكرت أحد ؟! هل ستكتب حزنك أم لا ؟! يا لها من مُرة ،! تخبرك أن السعادة سطور مؤقته فلا تندفع بقوة .
الكتابة وليلة رأس السنة …
ننتظر نهاية العام لنودع كل أحزاننا وأفراحنا وفي ليلة رأس السنة نكتب كل ما نتمناه على الورق ، نضع كل أحلامنا وأمنياتنا ونحلم بتحقيقها ، نعيش المستقبل بخيالنا بالطريقة التي نرسمها بحروفنا وكلماتنا ، نحاول أن نكتب بأمل فقد أرهقتنا الأحلام التي لم تتحقق ، أرهقتنا الخيبات المتكررة والظروف التي تأتي عكس تيارات أحلامنا ورغم ذلك نُصر على أن نحلم من جديد ورغم كل الخيبات والسنوات التي فشلنا فيها والأحزان التي عمت الأجواء ومنعت من وصولنا ، نكتب أحلاماً جديدة .أليست الكتابة مُرة حين نكتب أحلام ونخشى تحقيقها ؟!
الانتظار لمن لا يأتي …
كأن نكتب كل يوم مدى اشتياقنا لأشخاص لم يقرأوا حتى حروفنا ، كأن نضعهم سطوراً بين دفاترنا وهم يُلوحون بالوداع ، كأن نرسمهم بطريقة أجمل ونتمنى أن يشبهوها ويكون الواقع بأنهم مختلفون تماماً لا يهتمون بالكتابة يجدون بأنها ليس لها نفعاً بينما تقوم برسمهم وهم يقرأون الجرائد ويتابعون الكتب ويتلهفون لقراءة نهاية رواية أحببتها .أليست الكتابة مُرة حين نتخايل أشخاص ونرسمهم بطريقة تناسبنا بينما في الواقع لا تناسبهم .
الكتابة مُرة كالقهوة …
يستحيل أن تشعر بالفرق بين الكتابة والقهوة فكلاهما لديه نفس الأسلوب وهو الإقناع تقنعك تماماً بأن عليك أن تعيش بعالمك الخاص … العالم الذي لا يقترب منه أحد سواك …أحلامك …وعشقك …ومشاعرك ، تخبرك بأن رحلة الذكريات والوحدة قد بدأت فاستعد للسفر ، ستكون قوياً أمام العالم ومهزماً عندها فأنت بحاجة من يفهمك ولن تجد من يخفف عنك حِملك الثقيل سوى الكتابة والقهوة ، تُجردك من قوتك والسيوف التي تحارب بها وتحيط بك من كل الجهات وتهمس في أُذنك أكتب الآن ولا تنسى شرب القهوة ، ستشعر بأنها أحن عليك من ألف كتف ، تُخرج كل طاقتك السلبية وتضعها بها ثم تشعر بالهدوء والقوة وكأنك تسترجع سيوفك وتحارب من جديد لأجل أحلامك وعشقك وحياتك .
كاتبة وباحثة إجتماعية الأردن