أهدرت كل الحب وكل العمر معه .. وزرعت في أحشائها فقرا كي تهديه حصادا فاحش الثراء .. تحملت كل لحظات الغياب المنزوعة قصرا من لهيب الشوق والانتظار .. مغمضة جفن الشك ومشرعة أبواب الثقة في رفيق الدرب وحبيب القلب .. لم تتذمر يوما من عبء السؤولية الملقاة على عاتقها والدور المزدوج كأم وأب في ذات الوقت…تحملت كل شيء بصبر أم وعطاء أنثى عاشقة..
تخطت سنوات الشباب لتدخل بطواعية للكهولة بعد أن تجاوزت بأطفالها الثلاث السن الحرجة للمراهقة..تنفست الصعداء..أخيرا سيلتئم شملها بأبو أطفالها الذي أخذته مهنته لمدينة أخرى…تركت الموطن والجذور والتحقت به لتنعم بعطلة نهاية الخدمة المزدوجة..ليفجعها اكتشاف أنها أصبحت تحفة في رف النسيان ..وأم أطفاله التي تستحق الزيارة بين الحين والآخر..واتخذ لنفسه دمية ملونة بأضواء ليلية وتباهى بها سرا وعلنا وأهداها الحصاد المولود جوعا من رفيقة دربه…وفوق ذلك أجبرها على أن توافق ليجعل منها زوجة ثانية فتية بمباركتها وموافقتها الجريحة…حاولت أن تقتلع حبه ووهم الوفاء والثقة اللذان عاشت في أسرهما لسنوات…حاولت أن ترضخ للروابط الدموية والقلبية التي تربطها به وتتحمل صوت الأخرى المستجدي في الهاتف لتقبل بها ضرة لها…كبرياء الأنثى خذلها ورغبتها المشروعة ليكون لها فقط مزقتها…صرخت وهددت وانهار تماسكها النفسي ورمت نفسها في محاولة أولى فاشلة للانتحار…كان من المفروض أن يكون ذلك ناقوسا تحذيريا لرفيق الدرب الذي استكان لوقت قبل أن يعود لإلحاحه في الزواج من الأخرى…عاقرت المهدئات وألقاها بلا رحمة في فك الاكتئاب واليأس والاستسلام…لم تتحمل المسكينة الجحود ولم تتحمل ورقة الطرد التعسفي من الحياة والحب الذي أشهره أبو أطفالها الثلاثة في كبدها…فاختارت يوم عيد العشاق لتعلن إفلاسها من الحب وهوت انتحارا من طابق شقتهم الشاهق..فتأسف رفيق الدرب بكلمات منمقة وقتلها أخيرا بإعلانه أنها مصابة بمرض عقلي ونفسي…وشوه نهايتها في حبه وعجزها عن استيعاب خيانته لها..نصيحتي لكن يابنات حواء…لا أحد يستحق أن تغضبي الله لأجله…وﻻ أحد يستحق ان تتركي الحياة وأطفالك ومن يحبوك لأجله..
حسنية الدرقاوي