خلال الأسابيع القليلة الماضية، كثر الحديث في مختلف أنحاء العالم عن الانقسامات والنزاع بين المسلمين
والولايات المتحدة، لكن التأمل بشكل أعمق في التاريخ الأميركي يكشف مدى تعارض الثقافة الأميركية مع
ذلك الاعتقاد.
وكتب كريغ كونسداين، مدير مشروع Journey Into America الذي يجري دراسات وأفلاما وثائقية حول
المسلمين في أميركا وتأثير هجمات سبتمبر على قيم الانفتاح والتعددية والاندماج الثقافي في الولايات
المتحدة، في مقال على موقع Middle East Voices، أن العالم يبدو في يومنا هذا منقسما، رغم أن قيم
“الآباء المؤسسين للولايات المتحدة” وإيمانهم بأن أميركا ستبقي ذراعيها مفتوحتين لاحتضان من يقصدها بغض
النظر عن دياناتهم ومعتقداتهم.
وأضاف أنه لا ينبغي على الأميركيين والمسلمين أينما كانوا أن يتفاجأوا عندما يجدون أن كتابات “الآباء
المؤسسين”، وهم الساسة الذين شاركوا في الثورة الأميركية فكتبوا وثيقة استقلال الولايات المتحدة عن
بريطانيا في 1776 وشاركوا في حرب الثورة وكتبوا الدستور الأميركي الذي اعتمد في 1787، تكشف عن وجهة
نظر منفتحة بل فيها قبول مطلق للإسلام وبالطبع لباقي الديانات على حد السواء.
وأشار إلى ما كتبه جورج واشنطن في عام 1783، قبل أن يصبح أول رئيس للدولة الوليدة (1789-1797)،
وجاء فيه أن “صدر أميركا مفتوح لاحتضان المظلومين والمضطهدين من مختلف الأوطان والديانات، وعلينا أن
نرحب بهم للمشاركة في كافة حقوقنا وامتيازاتنا.
.
.
قد يكونون مسلمين، يهودا،
مسيحيين من أي طائفة، أو قد يكونون ملحدين”.
أما جون أدامز، الذي تولى منصب نائب الرئيس خلال ولاية واشنطن قبل أن يصبح ثاني رئيس أميركي
(1797-1801)، فقال إن “الرسول محمد واحد من أكثر الباحثين عن الحقيقة اتـّزانا في العالم”.
كما قال أدامز، الذي احتفظ بنسخة من القرآن الكريم في مكتبته، في عام 1797 إن الحكومة الأميركية “لا
تشعر بأي عداوة تجاه قوانين أو دين المسلمين”.
وذكر كونسداين أن بنجامين فرانكلين، وهو من الآباء المؤسسين، ساهم في تأسيس معبد ديني مفتوح أمام جميع
الديانات، مشيرا إلى أن حتى “مفتي القسطنطينية (تركيا) تلقى دعوة لزيارة أميركا ودعوة الأميركيين
للإسلام في المعبد”.
وفي وثيقة عن الحرية الدينية لتشريعات مستعمرة فرجينيا تعود إلى عام 1777، ذكر توماس جيفرسون،
أحد أهم محرري وثيقة إعلان الاستقلال وثالث رئيس أميركي (1797-1801)، أن “اليهود والوثنيين
والمسيحيين والمسلمين والهندوس والكافرين من كل الطوائف” مرحب بهم.
أميركي يحمل لافته كتب عليها “المسلمون مرحب بهم هنا” خلال مظاهرة مؤيدة لبناء مسجد في موقع هجمات
سبتمبر في نيويوركxأميركي يحمل لافته كتب عليها “المسلمون مرحب بهم هنا” خلال مظاهرة مؤيدة لبناء مسجد
في موقع هجمات سبتمبر في نيويورك
واليوم يقف تمثال لجيفرسون في جامعة فرجينيا يحمل لوحا كتب عليه “حرية دينية، 1786” نحتت تحتها
كلمات: الله (Allah)، غود (God)، يَهْوَه (Jehovah)، وبراهما (Brahma) الإله عند الهندوس.
جسور العالم في أمس الحاجة إليها
وقال كونسداين إنه بروح “الآباء المؤسسين” جاب أكبر أحمد، السفير الباكستاني السابق إلى بريطانيا
والرئيس الحالي لفرع الدراسات الإسلامية في الجامعة الأميركية بواشنطن، مع طلابه مختلف أنحاء الولايات
المتحدة للتعرف على الهوية الأميركية بعيون المسلمين.
وأضاف أنه تم توثيق الرحلة الاستكشافية عبر تصوير الفيلم الوثائقي Journey into America الذي
تابع تحركات أحمد وطلابه في أكثر من 75 مدينة أميركية، ومئة مسجد، فضلا عن منازل ومدارس وأماكن
عبادة لأميركيين من مختلف الخلفيات.
وأوضح أن الفيلم يصوّر كيف أعاد كثير من المسلمين الأميركيين إيمان الآباء المؤسسين إلى الحياة، بل ذهب
أبعد من ذلك لتوثيق كيف فقد بعض الأميركيين إدراكهم لمكونات الهوية الأميركية مثل التسامح والرحمة
والانفتاح، حسب تعبيره.
وكتب “في رأيي إن الرؤية التعددية للآباء المؤسسين هي القيمة الجوهرية التي تميّز الهوية الأميركية عن
باقي الهويات القومية حول العالم”.
وأضاف أنه “لاستعادة رؤية الآباء المؤسسين الذين أرادوا أن تكون أميركا مكانا يتعايش فيه جميع
المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، أطلقت مبادرة One Film 9/11″، مشيرا إلى أنها تهدف إلى بث
الوثائقي Journey into America في أكبر عدد ممكن من دور العبادة في الولايات المتحدة وفي بلدان
إسلامية في الـ11 من سبتمبر/أيلول 2013.
وأكد أنه “من أجل تقدّم الأميركيين والمسلمين في اتجاه يعود بالمنفعة عليهما معا، على الطرفين أن يكرّسا
جهودهما لتطبيق المبادئ التي عبّر عنها الآباء المؤسسون”، واصفا مبادرة One Film 9/11 بأنها خطوة
هامة لبناء جسور العالم في أمس الحاجة إليها.