بقلم: نورا محمد حنفي
عاطفة الفتاة أقوى من هياج البحر، أشد من تحكم المنطق وسيطرة العقل، لا صوت يعلو فوق صوت الحب والمشاعر الدافئة التي تخرج بها للعالم وكأنها تحاول رسم حياة جديدة لا يسكنها البشر، هي والحبيب وانتهى الأمر، تشق ضلوعها رغبة في الاعتراف أمام خلق الله بمدى هيامها واحساسها الذي وصل حد الاحتراق من فرط المحبة والشوق، وإن كانت هذه الملحمة العاطفية تتسلل خلف الأبواب في “نص الليل” للتحدث مع الحبيب دون أن يصل صوت نبضها الرنان لمسامع أهلها!، وإن كانت سطور قصتها تُكتب دون علم الأب والأم!، وإن كانت تعلم بأن فعلتها لا خير فيها ولكن قلبها وقع فريسة العشق بلا سابق إنذار، ومن هُنا تبدأ القصة الحقيقية وما دونها هو مجرد “طيش شباب”!.
– تبدأ قصتنا اليوم بـ”تعليق”.
تعليق على أحد المنشورات، “فيس بوك”، “إنستاجرام”،”تويتر”، فما أكثر منصات التواصل الإجتماعي اليوم وما أكثر سُبل اقتناص الضحايا من خلاله!، تُبدي إعجابها بما يتضمنه المنشور، تكتب الكلام المعسول الذي يرافقه قلب أو وجه مبتسم تخرج من ملامحه القلوب والقبلات، تمر الأيام لتجد إشعار يرن جرس الدخول لتفتح له الباب؛ فتجده من شاب وسيم مفتول العضلات والكاريزما القوية التي لا تهزها الرياح، ولا أعرف كيف استنتجت ملامحه الحقيقية من مجرد “صورة”!، ولكنه سحر التكنولوجيا الذي تفنن في خداعنا ولن يكف عن فعلته حتى نترك دُنيانا أو يتركها هو و”يحل عن سمانا”!، قلب ينتفض بمحبته واعتزازه وفخره بها وبما كتبته، ورد عليه يؤكد أنها رقيقة ولحُسنها طابع خاص، لترقص هي من سعادتها التي خلقتها كلمات خفية، احتمالية كذبها أكبر من صدقها، ولكنها مزقت هذا الاحتمال ولفظه عقلها في لحظة حنين له، حتى وإن كانت المرة الأولى التي تصادف فيها اسمه وصورته خلال هذا العالم الافتراضي!، ولكنها تحن إلى لحظات اطراء وغزل وهو ما لم تجده من أقرب الأقربين، وبالطبع لن تطلبه من الأب، تحتاجه من شاب يحنو على عاطفتها وأنوثتها البريئة لتخرج من غرفتها كالفراشة المنطلقة بحرية وتقفز على أنغام أغاني الحب و”الدلع”، وعليه تنطلق مغامرتها مع الشاب “مجهول الهوية”، صاحب القلب الكبير والحيل المُتقنة!.
– ممكن نتعرف؟.
تخرج الفتاة من حالة الفضول تجاه هذا الشاب، لتقع في مرحلة جديدة من مراحل “الشقط” كما هو مُتعارف عليه بين أوساط الشباب، لتجد رسالة تنتظر منها الرد على أحر من الجمر، حتى أنها تشعر بحرارة الانتظار وإن كان هو على الأرض وهي في كوكب عطارد!، يصل لهيب الاشتياق إليها وكأنها “معرفة سنين”، وكأنه “عشرة عُمر” ووصل للتو إليها بعد اغتراب طويل!، تستقبل كلماته بترحاب كبير ولكنها تلعب دور “التقيلة” حتى لا تظهر “رخيصة” أو سهلة المنال، فتتركه ولا تستجيب لرسائله لفترة قد تصل لأسبوع!، تقيس فيها صدق حبه لها، وهو ما يعكسه اصراره على ارسال رسالة كل يوم يلح فيها بالرد عليه وانقاذه من قبضة الشوق؛ وهو ما يدفعها لرسم أحلامها في “الفستان الأبيض”، تتقلب في النعيم الذي تحلم به كل فتاة مذ أن كانت رضيعة، تتوهج رغبة الأمومة، يتغير سلوكها لتصبح في أفضل حال بما سكن روحها من سعادة وهناء، حتى تقرر أن تدخل المرحلة الجديدة من مراحل العلاقة التي نجحت في إتمام أول أهدافها.
– “ازيك”..
ترد الفتاة وقلبها ينتفض بين الضلوع وكأنه زلزال يسحق كل ما يُقابله، عيون تفيض بالقلوب وأنامل تتقدم بكتابة حرف وسرعان ما تحذفه، خطتها في الايقاع به التي سهرت لياليها لوضع لمساتها الأنثوية الخاطفة عليها لم تنجح أمام رهبة الحديث الأول، ليتحدث هو عن مدى جمالها ورقتها، يسكب أشعاره؛ حتى تقع في مصيدة الحب من أول “شات”.
تمر الأيام ومع كل لحظة تتعمق العلاقة أكثر وأكثر، مكالمات “ليل نهار”، رسائل في أي وقت، “انتي فين وهتنامي امتى”، تُعامل فيها الفتاة معاملة “الابنة الصغيرة المدللة”، والشاب “الأب الحريص على مصلحة ابنته”، دعم وتشجيع و”خروجات وفسح”، كل طلباتها مُجابة بلا تردد، صور على جميع المنصات، يحتضن قلبه يدها ويطمع بالأكثر في قرارة نفسه!، ولكنها فقدت بصرها وبصيرتها أمام شعاع الاهتمام واللطف، لا تنظر إلا لقلبها الذي يتمايل فرحًا عند قدومه أو سماع صوته، لا تكترث لعواقب الأمر، ولضريبته قد تدفع عُمرها!..
– “مش بتحبيني” ..
يستخدم الشاب جملته الشهيرة حتى يضغط على براءة الفتاة وينتهك شرفها دون ذرة رحمة تجاهها، فقد تكون أخته نائمة في الغرفة المجاورة لغرفته، ولكنه لا ينظر لها وكأنها بعين الحذر، وكأنها معصومة من “لف الزمان”.
يبدأ هو خطته، يتفنن في لف خيوطه اللعينة حولها ليضمن أنها لن ترفض له أي طلب مهما بلغ، اليوم يحصد ما زرعه في قلبها الضعيف أمام أي كلمة أو نظرة، ليتجرأ ويطلب طلبه الأخير، الذي يختلف شكله من شاب لآخر، فمنهم يطلب صور عارية للفتاة بحُجة أنها ملكه و”مراته” ويجب عليها أن تثق به ثقة عمياء، ولكنها هي “العمياء” إن وافقت على طلبه هذا!، ومنهم من يخرج من إطار الطلبات المألوفة؛ فيطلب فيديو حي لهما كي يمارس غريزته بالصوت والصورة، وكثير من الفتيات تُلبي النداء في ليلة تقع الأسرة في قبضة النوم العميق ودون أن تشعر بها أنفاسها!، ومنهم من يُبدع في طلبه لتكون المحطة الفاصلة في العلاقة هي مقابلة خاصة في منزله، وهنا تكمن المصيبة الكبرى!.
تقابل الفتيات الطلب بالرفض في البداية، حتى أنها تتهمه بصدمتها فيه وفي حبه، ويصل الأمر إلى إنهاء العلاقة في كثير من الأحيان، “بلوك” في كل مكان، ولكنه يصل إليها بألاعيبه الشيطانية، ويستخدم سلاحه الأخير لتحقيق أهدافه، ليعلنها أمامها:”لو بتحبيني بجد مش هترفضي”، يضغط عليها بكل ما يملك من خبث ومكر، لترفع الراية البيضاء أمام طهارة قلبها وتستسلم له ولطلباته المُشينة، بالأمس كان استسلامها بالكلام، ولكن اليوم هو وقت الأفعال التي تثبت صدق كلامها المعسول له:”انت تطلب روحي يا روحي”.. اليوم، حان وقت التأكيد.
يتحقق المراد، يستمتع الشاب بنهش لحمها واسمها، وبمرور الوقت تقع الفتاة في بحور المتعة التي تتحقق برفقته، فيتمادى هو في طلباته التي تحولت من أحلام مستحيلة إلى واقع ملموس، وفي لحظة ما، تقف الفتاة في منتصف الطريق لتقرر أن تسترد عقلها المسلوب منها بسحر الحب، لتواجه حقيقتها وتخلع ثوب لم يناسبها يومًا ، لتعود إلى فطرتها ولملامحها التي تلطخت بلمسات الحبيب الكاذب، لتخرج عن صمتها وتعلنها هي:”مش هكمل كده”.. وهُنا تواجه أصعب مرحلة من مراحل العلاقة.. “ليفيل الوحش”!.
تقولها؛ حتى ينقض عليها بأنيابه التي لطالما نجح في حجبها عنها:”هتكملي ولا أنشر صورك وأفضحك؟”، لتتأكد الفتاة أنه لم يطمع في حبها بل في جسدها، استغل ضعفها لإشباع حاجته ومن ثم تركها شريدة بلا مأوى، عارية كما نالها في البداية، ولكنها اليوم عارية من شرفها ليس ملابسها فحسب!، حتى أن أهلها لن يحتملوا ما حدث لابنتهم وما جلبته لهم من عار لا يُغتفر، تقع الفتاة في حيرة حيال أمرها: تُكمل ما بدأته وتُغضب ربها لتنال رضا عبد عاصي متمرد نظير “سترها”، أو تمزق خوفها وتخبر أهلها وترضى بحكمهم وتكتب نهاية لقصة الخيانة والزيف، آمله أن تجد منهم بعض الرأفة بما وصلت إليه ولكن الأمر أصعب من أن يُقابل بـ”الطبطبة”!.
فتتحول أحلامها الوردية في الحبيب والزواج إلى كابوس “أسود” تتمنى أن تُمد لها يد الخلاص منه!.
وهو ثمن الحب المزيف الذي يتسلل من “شباك الانترنت” ولا يطلبه من “باب البيت”، يختلسه دون معرفة الأهل والأحق أن تُباركه الأسرة وتعلنه للكون بأسره، يستحل لحمك ودمك وكيانك دون وجه حق، ودون أن تصرخي في وجهه بالرفض، وإن حدث فهو بعد فوات الآوان.
كم من قصص المساومة والابتزاز التي تعرضن لها فتياتنا اليوم وسمعنا عنها حتى ذرفت قلوبنا الدموع شفقة على ما وصلنا إليه!، لتقابل الفتاة ما حدث لها وما جلبته لبيتها من “مصيبة وغم” بإنهاء حياتها لترتاح هي وتسكن الأسرة..
ولكن ماذا عن عقاب الفاعل؟، هل نكتفي بتعليق المشانق للفتاة دون فرض عقابات صارمة على من دفعها لذلك؟، هل يقع اللوم الأول عليها أم أنها جريمة مشتركة؟، هل تعود الفتاة إلى صوابها من جديد لتُحطم كل علاقة تطلبها دون مسارها الشرعي الصحيح؟، وهل تستمر حوادث هتك العرض تحت مسمى الحب أم يلزمنا بعض الوعي والكثير من الإيمان؟.
عزيزتي.. كوني حذرة، فالكثير من شباب اليوم يقتنص من جهلت قيمة قلبها؛ لتصبح هي فريسته الأولى.