قلم فاطمة الكحلوت
ما فائدة الحروب وهي تزهق أروحنا وما فائدة الأماكن من دون من نحب وما الفائدة من العودة إلى الديار بعد أن تخلو من أصحابها وكأنها غربة بعد غربة تبعث فينا شعور الإنكسار من ضربات القدر القاسية وتهز أرواحنا وتذكرنا بخساراتنا التي لا يمكن تعويضها ، والتي أجبرتنا الحياة على أن نكمل طريقنا في ظل التشتت والدمار والوحدة ، وتكمن عظمة وهول الموقف في قدرتنا على السير مجبرين على ترك كل ما يعنينا دون أن نلتفت ، كأننا نطوي صفحة ونبدأ بأخرى ، بعناوين مختلفة وسطور تكتبنا وتشد رِحالها لتمضي بنا إلى أماكن مختلفة وغريبة عنا .
فعندما تضع أقدامك في موطنٍ غير موطنك ، ستشم رائحة ترابٍ لم تسبقها من قبل وغير مألوفة لديك ، ستبدأ تشعر بالغربة وستكون رائحة التراب الغير معتادة لديك هي محطة الغربة الأولى ، كما أن المقاهي التي ستمر من جانبها سيخرج منها أغنيات ليست كتلك التي اعتدت على سماعها ستشعر بالفرق حتى في إختيار الأغنيات ، وعندما تقف عند بائع الخبز ستشتهي رائحة الخبز الذي اعتدت أكله في السابق ، ستشعر بالحنين إلى موطنك ، وكأن الأمان الروحي والطمأنينة لها مكان واحد وهو مكانها الأصلي وموطنها الأولي وبعد ذلك تصبح كل الأماكن لاجئة .
لذلك فإن الغربة شعور قاسي ومؤلم ولا يوفر أي نوع من الأمان الروحي ، كما أن رحيل من نحب يجعل الديار غريبة عنا ، تجعلنا نتسائل دوماً كيف يمكننا البقاء من دونهم ؟! وكأن الغربة ليست في الديار فقط وإنما بالأشخاص اللذين نحبهم .
ومع ذلك فإن أكبر إنتصاراتنا تكمن في قدرتنا على العطاء رغم غربتنا وصعوبة ظروفنا ، نسعى دوماً لنترك كل أثر جميل ، ونقدم العطاء لذاتنا ولغيرنا ونُترجم ونُشكل سعادتنا على هيئة عطاء وتقديمٍ للآخرين من حبٍ ومودة ، ونحاول أن لا ننسى إنسانيتنا وحاجة الغير لنا وأن نسير بخطوات ثابتة حاملين مبادئنا التي نسير عليها مهما إغتربنا ومهما عصفت بنا الظروف .
كاتبة وباحثة إجتماعية الأردن