حوار: أميرة الأحمد
تشير الإحصائيات الرسمية إلى ارتفاع مستمر في معدلات الإصابة بسرطان الثدي في العالم العربي، مما يجعله أحد أكثر أنواع السرطانات شيوعًا بين النساء.
وهناك العديد من العوامل التي تساهم في زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي، بما في ذلك العوامل الوراثية، ونمط الحياة غير الصحي، والتأخر في الكشف المبكر.
ولهذا يسر مجلة المرأة العربية أن نرحب اليوم بالدكتورة تغريد المحميد، استشارية الجراحة العامة المتخصصة في جراحة الثدي والحاصلة على البورد الأمريكي. الدكتورة تغريد تشغل منصبها كاستشارية في مستشفى الزهراء في دبي منذ عام 2016، وهي رائدة في مجال الأبحاث السريرية المتعلقة بصحة الثدي، حيث تم نشر أبحاثها في العديد من المجلات الطبية المحكّمة. يشرفنا اليوم أن نلتقي بالدكتورة تغريد لنتعرف على رؤاها حول الوعي بسرطان الثدي وأهمية التشخيص المبكر والوقاية، خاصة في الوطن العربي.
حكاية شخصية ألهمتني
1. مرحباً بك دكتورة تغريد، ما الذي ألهمك لاختيار مجال الجراحة، وبالأخص التركيز على صحة الثدي؟
قمت باختيار هذا المجال تحديدًا رغبةً مني في إحداث تأثير ملموس ومباشر في حياة الناس من خلال مساعدتهم في الشفاء، وكانت القدرة على حل الأمراض والمشاكل الصحية المعقدة بيدَيّ، ورؤية النتائج الفورية، هي ما جذبني إلى هذا المجال. وما جعلني أركز على صحة الثدي كان سببًا شخصيًا حيث كانت لدي صديقة في الخامسة والثلاثين من عمرها، وأم لأربعة أطفال، عندما تم تشخيصها بسرطان الثدي وكانت مشاهدتها وهي تكافح مع المرض وفقداني لها ذو تأثير عاطفي عميق علي وجعلني أدرك مدى أهمية الكشف المبكر والرعاية المتخصصة في تحسين النتائج.
هذه التجربة أثارت شغفي بصحة الثدي، ودفعتني لدمج مهاراتي الجراحية مع الفرصة لمساعدة النساء خلال واحدة من أصعب الأوقات في حياتهن.
التجربة الطبية في دبي: رؤية شاملة للرعاية الصحية المتقدمة
2. كيف كانت تجربتك كجراحة في دبي، وما هي الفروقات التي لاحظتها في الممارسات الصحية بين الإمارات ودول أخرى؟
كانت تجربتي كجرّاحة في دبي رائعة للغاية، لدينا في دولة الإمارات نظام رعاية صحية على مستوى عالمي، بالإضافة إلى التقنيات متقدمة والتأكيد على تقديم رعاية طبية عالية الجودة.
التنوع السكاني للمرضى، يتطلب فهماً لثقافات مجتمعية مختلفة ولقد أثرى ذلك ممارستي وسمح لي بالاقتراب من رعاية المرضى من منظور أكثر شمولية.
أحد الفروق الرئيسية التي لاحظتها مقارنة بدول أخرى هو مدى سرعة تبني ودعم الإمارات للابتكارات الطبية. ولاحظت ما تقوم به الدولة بتركيز قوي على دمج أحدث التطورات في الممارسات الصحية اليومية، مما يعزز نتائج المرضى، ومن الفروق الملحوظة الأخرى التركيز على راحة المريض والرعاية المخصصة، وهو شيء أقدره جدًا في عملي، خاصة في صحة الثدي. يسمح هذا النهج التعاوني في الرعاية، وسهولة التواصل بين مختلف التخصصات، بوضع خطط علاج شاملة تحسن من تجربة المرضى ونتائجهم.
مفاتيح الكشف المبكر: خطوات لتحسين الوعي لدى النساء العربيات
3. التوعية بسرطان الثدي أصبحت مبادرة عالمية. ما هي العوامل الأساسية التي يمكن أن تُحسن من فرص الكشف المبكر لدى النساء العربيات؟
تحسين الكشف المبكر عن سرطان الثدي بين النساء العربيات يعتمد على عدة عوامل رئيسية. أولاً، زيادة الوعي من خلال تعلم ومعرفة حساسية الثقافات أمر ضروري، حيث أن العديد من النساء قد لا يدركن تمامًا أهمية الفحوصات الدورية، ثانياً ضمان الوصول الشامل إلى الماموجرام والخدمات الأخرى لفحص الثدي بأسعار معقولة، لا سيما في المناطق الريفية أو المتأخرة، حيث يعد أمرًا شديد الأهمية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إزالة وصمة العار عن سرطان الثدي من خلال تشجيع المناقشات المفتوحة بين أفراد المجتمع يمكن أن يساعد في التغلب على المخاوف أو المفاهيم الخاطئة التي تمنع النساء من طلب الرعاية، حيث يلعب دعم الأسرة والمجتمع دورًا كبيرًا في تمكين النساء من إعطاء الأولوية لصحتهم. وأخيرًا، فإن المبادرات التي تقودها الحكومة، مثل برامج الفحص الوطنية، ضرورية لتعزيز الفحوصات المنتظمة والكشف المبكر في جميع أنحاء المنطقة.
الأعراض الخفية: ما الذي يجب على النساء الانتباه له؟
4. ما هي بعض الأعراض المفاجئة أو غير المعروفة لسرطان الثدي التي يجب أن تنتبه لها النساء؟
بينما يعرف معظم الناس أن عليهم البحث عن كتلة في الثدي، هناك عدة أعراض أقل شهرة لسرطان الثدي التي يجب على النساء أن يكنّ على دراية بها، تشمل هذه الأعراض تغييرات في الحلمة، مثل الانقلاب للداخل أو خروج إفرازات منها خاصة إذا كانت دموية. يمكن أن يشير الاحمرار غير المفسر أو تورم الثدي أيضًا إلى علامات تحذيرية، حيث قد تدل على سرطان الثدي الالتهابي.
يجب عدم تجاهل الألم في الثدي أو تحت الإبط، أو التغيرات في خلايا الجلد — مثل تغير ملمس الجلد أو الطفح الجلدي، لذلك الكشف المبكر هو الأساس، وعليه فإن الوعي بهذه الأعراض الدقيقة هو أمر جوهري للكشف عن سرطان الثدي في مراحله المبكرة.
التغلب على التحديات: تعزيز الوعي بسرطان الثدي في الدول العربية
5. من واقع خبرتك، ما هي التحديات الأكبر في رفع مستوى الوعي بسرطان الثدي في الدول العربية؟
أحد أكبر التحديات في رفع الوعي حول سرطان الثدي في الدول العربية هو التغلب على المعتقدات الثقافية والحرج المرتبط بمناقشة السرطان، وصحة الثدي بشكل عام حيث قد تشعر العديد من النساء بعدم الراحة في الحديث عن أجسادهن أو طلب المساعدة الطبية بسبب الخجل أو الخوف من التشخيص. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمفاهيم الخاطئة عن سرطان الثدي – مثل الاعتقاد بأنه يؤثر فقط على النساء الأكبر سناً – أن تمنع النساء الأصغر سناً من إجراء الفحوصات، كما يعد الوصول إلى خدمات الفحص في المناطق الريفية أو النائية عائقًا آخر، مما يجعل من الصعب على النساء اكتشاف المرض مبكرًا. للتصدي لهذه التحديات، نحتاج إلى حملات تعليمية حسب الحساسية الثقافية، وتحسين الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، ومناقشات مفتوحة للحديث عن صحة الثدي وتشجيع الكشف المبكر.
خطوات مطمئنة: ما الذي يحدث أثناء الفحص الدوري؟
6. هل يمكنك أن تشرحي لنا عملية الفحص الدوري للكشف عن سرطان الثدي؟ وماذا يمكن أن تتوقعه النساء أثناء الفحص حتى لو لم يكن لديهن أي أعراض؟
يعد الفحص المنتظم لسرطان الثدي أداة هامة للكشف المبكر عن السرطان، حتى قبل ظهور الأعراض. تبدأ العملية عادةً بفحص الماموجرام، وهي أشعة سينية للثدي يمكن أن تُظهر أي تغييرات مثل الأورام أو التكلسات الصغيرة، يتم عن طريق قيام فنية الأشعة بوضع كل ثدي بين لوحين لالتقاط صور واضحة من عدة زوايا مختلفة والإجراء قد يتسبب في شعور بسيط بعدم الراحة، لكنه لا يدوم سوى لحظات قليلة.
أما من هم في خطر أكبر، مثل النساء اللاتي لديهن تاريخ عائلي بسرطان الثدي، قد يطلب عمل الأشعة فوق الصوتية أو صور الرنين المغناطيسي لرؤية تفاصيل الثدي بشكل أكبر وتعتبر جميع الفحوصات سريعة، وتشعر النساء بالطمأنينة، تعتبر الفحوصات المنتظمة أمرًا ضروريًا، حيث يمكن أن يتطور سرطان الثدي بصمت، ويقوم الكشف المبكر بتوفير فرصة أكبر لعلاج ناجح.
التثقيف الصحي: مفتاح النجاح في علاج سرطان الثدي
7. ما هو دور التثقيف الصحي في تحسين نتائج علاج سرطان الثدي، وكيف تتعاملين معه في ممارستك الطبية؟
يعد التثقيف الصحي مفتاحًا لتحسين نتائج سرطان الثدي من خلال مساعدة المرضى على فهم أهمية الكشف المبكر وخيارات العلاج. أثناء ممارستي لمهنة الجراحة، أكثر ما أركز عليه هو الفحوصات المنتظمة، والعوامل التي تشكل خطر، والتغيرات النمطية التي يمكن أن تقلل من خطر الإصابة، خلاصة القول إن تثقيف المرضى يمكّنهم من اتخاذ قرارات صحيحة ومصيرية في رعاية صحتهم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج علاج أفضل.
لا للخوف: رسالتي للنساء حول أهمية الفحص المبكر
8. العديد من النساء يشعرن بالتردد أو الخوف من إجراء الفحص. ما هي رسالتك للنساء اللواتي قد يخشين الفحص أو التشخيص؟
شعاري دائماً هو “كلما كان الكشف مبكر ، كل ما كان العلاج أسهل وأسرع” و أردد للنساء أن الكشف المبكر ينقذ حياة الكثيرات و إن الفحص هو وسيلة استباقية لحماية صحتك، و الاكتشاف الدقيق لأي مشاكل مبكرًا يوفر المزيد من خيارات العلاج ونتائج أفضل.
لذا لا تدعن الخوف يمنعكن من العناية بأنفسكن وهذا الفحص يؤكد على القوة ورعاية الذات.
نمط حياة صحي: طريقك لتقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي
9. ما هي التدابير الوقائية أو أنماط الحياة التي توصين بها النساء لتقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي؟
أوصي بتغيير نمط الحياة حيث يمكن أن يساعد في تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي، فالحفاظ على وزن صحي، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وتناول نظام غذائي متوازن غني بالفواكه والخضروات هي أمور جوهرية، كما أن تجنب التدخين يعد أمرًا مهمًا، حيث تم ربطه بزيادة مخاطر الإصابة بسرطان الثدي. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون النساء استباقيات بشأن الفحوصات الدورية والفحوصات الذاتية، خاصة إذا كان لديهن تاريخ عائلي من سرطان الثدي، حيث يمكن أن تقلل التدابير الوقائية، جنبًا إلى جنب مع الكشف المبكر، بشكل كبير من فرص تطوير سرطان الثدي.
رؤية المستقبل: تحسين الكشف والعلاج في الشرق الأوسط
10. ما هي رؤيتك المستقبلية لتحسين الكشف عن سرطان الثدي وعلاجه في منطقة الشرق الأوسط؟ وما هي الخطوات التي تعتقدين أنها يجب أن تُتخذ لتحقيق هذا الهدف؟
أرى أن نركز على توسيع الوصول إلى الفحص المبكر، وتبني خيارات العلاج المتقدمة، و زيادة الوعي العام بأهمية الكشف المبكر، لا سيما في المناطق الأكثر تحفظًا أو النائية، أمر حاسم ونحتاج إلى ضمان الوصول على نطاق واسع وبأسعار معقولة إلى الماموغرامات وغيرها من التقنيات لضمان التشخيص المبكر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن دمج العلاجات المتطورة، مثل العلاجات المستهدفة والعلاج المناعي، في الرعاية القياسية أمر ضروري ولتحقيق ذلك، يجب علينا الاستثمار في المزيد من التدريب المتخصص لمهنيي الرعاية الصحية، وتعزيز التعاون الإقليمي، ودعم البحث المستمر لتخصيص العلاجات حسب احتياجات النساء في المنطقة.
من خلال اتخاذ هذه الخطوات، يمكننا تحسين النتائج وجعل رعاية سرطان الثدي أكثر سهولة وفعالية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
في ختام هذا اللقاء، نتقدم بخالص الشكر والتقدير للدكتورة تغريد المحميد استشارية الجراحة العامة في مستشفى الزهراء في دبي، على إتاحة الفرصة لإجراء هذا الحوار الشيق والمفيد.
نثمن جهودها في رفع مستوى الوعي بأهمية الوقاية والكشف المبكر عن سرطان الثدي لدى النساء في العالم العربي. نتمنى لها دوام التوفيق والنجاح في مسيرتها الطبية والبحثية، ونتطلع إلى المزيد من الإسهامات القيمة في هذا المجال.