البوليميا هي أحد أنواع اضطراب “فوضى الطعام” Eating Disorder وتعني الشره المرضيّ المتمثّل بنمط معيّن في تناول الطعام، كالتهام كميّات غير محدودة منه حتّى الشعور بالتخمة، دون وعي أو مراقبة، وبسرعة كبيرة وبشكل قسريّ لعدم الإحساس فعليًّا بالجوع، وسريًّا وكأنّ الطعام من الممنوعات أو المحرّمات، ثم يُعمل بعد كلّ هذا الى التخلّص من المأكولات، عبر تقيؤها إراديًّا بإدخال الإصبع في الفم والضغط على الجزء الخلفيّ من اللسان، أو باستعمال أنواع من المسهّلات ومدرّات البول.
مريض البوليميا يفتقد للإحساس بلذة المأكولات
ويشعر بالاشمئزاز والندم والذنب والخجل أيضاً، ويلوم ذاته لعجزه عن ضبط سلوكه ومراقبة ذاته، لذلك يعدّ نفسه بالإقلاع عن هذه العادة، لكنّه سرعان ما يضعف ويجد نفسه مستسلمًا لنوبة شراهة جديدة، هي في الحقيقة، ردّة الفعل الطبيعيّة للتخلّص من التوتّر. كما يصاب بحالة عارمة من الغضب والاكتئاب لفقدانه السيطرة على نفسه، فيهرب منها إلى التهام المزيد من المأكولات والإفراغ والمشاعر السلبيّة.
النساء أكثر إصابة بالبوليميا من الرجال
خاصّة في المرحلة العمريّة الممتدّة ما بين 15 و 30 سنة بسبب التغيّرات النفسيّة والفيزيولوجيّة المهمّة في هذه المرحلة، ولأنهن عرضة للاضطرابات النفسيّة والاكتئاب أكثر من الرجل، فضلاً عن كونهنّ أسيرات هاجس البدانة. كما أنّ المرأة أكثر رفضًا لصورة الجسد نتيجة للسمنة الزائدة أو المفرطة، فتُصاب بالإحباط الذي يتضاعف مع فشلها في خسارة الوزن إلى أن يتملّكها الاكتئاب الذي، في بعض الحالات، يساهم في زيادة الوزن بسبب انخفاض مستوى مادّة السيروتونين، ما يولّد الرغبة في التهام السكّريّات لإزالة التوتّر والشعور بالراحة والهدوء.
ماذا تعني وسيلة الإفراغ ؟
هي اضطرابات نفسيّة يحاول لبوليمي التخلّص منها مع كلّ إفراغ. إذن هو يفرغ حشوًا نفسيًّا، أي معنى نفسيّ لها.. والمعنى النفسيّ هو إفراغ الكبت والمعاناة ورغبة المصاب بالتحكّم بالشيء الوحيد الذي يخصّه وهو وزنه ليتهيّأ له بعد ذلك أنّه يتحكّم بكلّ ما يحيط به. لذلك فإنّ كلّ أنواع اضطراب “فوضى الطعام” تختصر مشكلة رفض النضوج الفكريّ والجسديّ لأسباب عديدة نذكر أهمّها:
ـ إفتقاد علاقة الأنثى بأمّها إلى الشعور بالأمان الذي يتولّد من إحساسها بأنّها غير مقبولة، والقدرة على تحقيق الذات.
ـ الأسلوب التربويّ المعتمد من قِبَل الأهل الذين يريدون تحقيق ذواتهم، أو أحلامهم التي لم تتحقّق، من خلال أبنائهم.
ـ عدم رضا الفرد عن نفسه.
ـ الإنهيار العصبيّ والاكتئاب.
ـ إضطراب العلاقات الاجتماعيّة.
ـ الفشل الدراسيّ أو المهنيّ المتكرّر.
ـ الخلافات الزوجيّة.
ـ إنفصال الزوجَين الذي ينتج عنه شعور الأبناء بالتفكّك وعدم الاستقرار.
ـ إحساس وهميّ بزيادة الوزن بالرغم من أنّ الوزن مثاليّ.
ـ رفض الفرد لجسده وأسلوب تفاعله معه نتيجة لِما استبطنه من طفولته عن هذا الجسد، أي آراء الأمّ وباقي أفراد الأسرة ورفاق المدرسة والمجتمع.
للمواصفات العالميّة دور في اللجوء إلى البوليميا
ممّا لا شكّ فيه أن النماذج المثاليّة لجسد أنثويّ منحوت بدقّة وغاية في النحافة أوجدت أزمة جديدة هي رفض المرأة لجسدها الذي لا يطابق المواصفات العالميّة، وأفضى إلى عدم الرضا عن ذاتها وشعورها بعدم الأمان داخل هذا الجسد أو عدم انتمائها إليه، فتولّدت بالتالي مشكلة جديدة هي عدم الثقة بالذات والكآبة وهما سببان أساسيّان في ظهور اضطراب فوضى الطعام.
المخاطر المترتّبة عن الإفراغ المزمن
ينجم الخطر الأكبر عن كثرة التقيؤ التي تضرّ بالجهاز الهضميّ وتُفقد الجسم الفيتامينات والمعادن والكالسيوم، ما يؤدّي إلى فقر في الدم قد يصبح حادًّا فيوصل، أحيانًا كثيرة، إلى الموت. كما يشعر المصاب بآلام في المعدة بسبب انقباض الأمعاء الدائم بفعل التقيّؤ واعتيادها على عدم الهضم وإصابتها بالكسل، فينتج عن هذا الضرر كتام شديد يدفع المريض إلى تناول المسهّلات التي تؤذي الأمعاء لكثرة استعمالها. من جهة أخرى يعاني المريض الإحساس بالعجز، الإعياء السريع والتعب الشديد ما يمنعه من القيام بأيّ مجهود فيصبح بطيء الحركة يجرّ جسده جرًّا، ويضطرب نومه. أمّا ذهنيًّا فيقلّ تركيزه ويعجز عن اتّخاذ أيّ قرار مهما كان بسيطًا. ومن أهمّ المخاطر الملاحظة عند النساء عدم انتظام الدورة الشهريّة، الذي قد ينتج عنه عند المراهقات صعوبة في الإنجاب أو عجز عنه تبعًا لطول مدّة الإصابة.
علاج البوليميا
ينقسم العلاج إلى ثلاثة أقسام:
الأوّل: طبّيّ لمعرفة الحالة الصحيّة الجسديّة وإعطاء الأدوية المهدّئة للمعدة لمساعدتها على تقبّل الطعام، والأدوية المناسبة لمشكلة الفقر في الدم من جهة، ولإعادة مدّ الجسم بما ينقصه من الكالسيوم والفيتامينات والمعادن من جهة أخرى، ليستعيد صحّته تمهيدًا لممارسة الرياضة الضروريّة للمحافظة على الوزن.
الثاني: غذائيّ يتولاّه اختصاصيّ في التغذية يعمل على إعادة تدريب وظائف الجسم على العمل بشكل طبيعيّ من خلال إدراج الأنواع الغذائيّة التي حُرم منها.
الثالث: هو العلاج النفسيّ المعرفي والسلوكي.