أكدت دراسة حديثة، نشرت في الأسبوع الأول من شهر مارس (آذار) من العام الحالي، انخفاض عدد حالات الشلل الدماغي في الأطفال الخدج (المبتسرين)، إذا توافرت العناية الجيدة للطفل قبل الولادة بنسبة كبيرة للغاية.
وفي الدراسة، قام فريق بحث من الأطباء من المستشفى الرئيس لجامعة أوترخت الهولندية University Medical Center Utrecht بمتابعة نحو 3 آلاف من حالات الأطفال المبتسرين أو ناقصي النمو Premature، في الفترة من عام 1990 وحتى عام 2005.
وتبين أن تشخيص عدد حالات مرض الشلل الدماغي انخفض في الفترة من 2002 حتى 2005 بنسبة 2.2%، حيث كانت نسبة تشخيصه في الفترة من 1990 وحتى 1993 تصل إلى 6.5%.
عناية بالجنين
وأرجع العلماء ذلك الانخفاض الحاد إلى العناية الجيدة بالأجنة في الفترة السابقة للولادة Perinatal care أو بعد الولادة مباشرة وفي الشهر الأول من حياة الطفل، التي تعبر عن ارتفاع مستوى الأداء الطبي والعناية بالأطفال المبتسرين والأطفال قليلي الوزن، حيث إنهم الأكثر عرضة بالإصابة بهذا المرض.
وفي نفس السياق، أكدت دراسة أخرى في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، نشرت في دورية «British Medical Journal»، أن نسبة الشلل الدماغي ترتفع في الرضع الذين يولدون بحالة سيئة، والتي يتم تشخيصها بما يسمى مقياس «أبجر» Apgar Score، وهو عبارة عن اختبار بسيط وسريع لتقييم الوظائف الحيوية الرئيسية للمولود في نسبة من عشر درجات.
وقد أجريت هذه الدراسة على المواليد الأصحاء في النرويج في الفترة من 1986 وحتى عام 1995، وأوضحت أنه على الرغم من أن مرض الشلل الدماغي يعتبر من الأمراض النادرة (إذ لا تزيد نسبه الإصابة به على 3 في الألف)، فإن نسبة حدوثه في المواليد الذين يحصلون على نتيجة أقل من 3 في مقياس «أبجر» تتضاعف نحو 100 مرة عن الرضع الذين يسجلون نتيجة 10 بعد الولادة بخمس دقائق. وكذلك كانت الدرجات الأقل من 3 تصاحب بالإصابة بالشلل الدماغي التشنجي الذي يصيب الأطراف الأربعة Quadriplegia.
وعلى ذلك، أوضحت الدراسة أن نفس الأسباب التي تؤدي إلى ضعف الوظائف الحيوية للوليد على مقياس «أبجر»، هي نفسها التي قد تؤدي إلى تلف الدماغ وحدوث الشلل الدماغي، سواء في الحمل أو بعد الولادة.
الشلل الدماغي
وتخلص هذه الدراسة إلى أن العناية الجيدة بالطفل بداية من فترة الحمل، والعناية بصحة الأم والمتابعة الطبية الدائمة لها أثناء الحمل، والابتعاد عن تناول أي عقاقير أو أي إجراء طبي مثل الأشعات أو ما إلى ذلك إلا باستشارة طبية، يسهم في الوقاية من خطر الإصابة بالشلل الدماغي لاحقا.
ومن المعروف أن الشلل الدماغي Cerebral Palsy أو اختصارا C.P، يعد أحد أخطر الأمراض العصبية التي تصيب الأطفال، ولا يزال السبب الرئيسي للمرض غير مؤكد تماما حتى الآن.
ولكن بعض العوامل قد يكون لها أثر بالغ الأهمية في تجنب حدوثه، وأهمها العناية بالطفل بداية من مرحلة الحمل، عن طريق العناية بصحة الأم ومعالجة الأمراض المزمنة التي قد تؤثر على حياة الجنين أو تأخر نموه، وخاصة الأمراض المزمنة مثل الضغط والسكر أو تناول أدوية معينه ضارة بالحمل والتدخين.
وكذلك في مرحلة الولادة، حيث إن نقص الأكسجين نتيجة للولادة في أماكن غير مجهزة طبيا بشكل جيد قد يتسبب في حدوث تلف دماغي للطفل.
وأيضا الإصابات التي تحدث للدماغ نتيجة ارتطام الرأس بشيء صلب أو سقوط الطفل، وجميعها أشياء لا يمكن حدوثها إلا في بيئة غير مجهزة طبيا. كما يجب الاهتمام برعاية الطفل وفحصه في الشهور الأولى من عمره حتى يبلغ 3 سنوات، حيث يندر أن يتم تشخيص الشلل الدماغي بعد هذا العمر. وفي تلك الفترة كذلك، يمكن أن ينشأ المرض نتيجة للإصابة بالتهابات فيروسية معينة أو تعرض الرأس للارتطام.
وينتج المرض عن تلف جزئي بالقشرة الدماغية في فترة النمو، التي تبدأ من مرحلة الحمل وحتى السنوات الأولى من عمر الطفل. ويؤثر المرض بشكل أساسي على الجهاز الحركي، ويحد من الحركة والنشاط وكذلك الإحساس والتواصل. وفي نسبة ما بين 30% إلى 50% يعاني الطفل المصاب تأخرا عقليا، وكذلك يعاني نسبة ما بين 15% إلى 60% من الصرع أو الاضطراب الوجداني وعدم القدرة على التركيز.
كما تعاني نسبة كبيرة منهم مشكلات سمعية أو بصرية، وكذلك صعوبة في ابتلاع الطعام لوجود خلل بالعضلات التي تتحكم في غلق وفتح الفم. إلى جانب خلل واضح في الحركة تبعا للجزء المصاب.
ويكون التلف الذي يحدث في المخ تلفا دائما ولا يتطور، وهو غير معد. ويتم تقسيم الشلل الدماغي إلى عدة أنواع تبعا لتشنج العضلات، فهناك الشلل التشنجي وهو يمثل أكثر من 60% من الحالات، ويتميز بوجود تشنجات وتقلصات في العضلات، مما يؤثر على تجانس الحركة. وهناك الشلل الارتعاشي، ويتميز بحركات سريعة غير محددة ولا يمكن للمريض التحكم فيها.
ويوجد أيضا الشلل المختلط، ويتميز بوجود عضلات متشنجة وأخرى رخوة، ولذلك يجد المرضى صعوبة بالغة في حفظ توازنهم أو المشي .. وأخيرا يوجد الشلل الرخو، ويتميز بضعف العضلات وارتخاء المفاصل وصعوبة في النطق. ومن المعروف أن مرض الشلل الدماغي غير قابل للشفاء، ولكن يمكن فقط تحسن الحالة من خلال برامج علاجية في وقت مبكر من بداية الأعراض.