بقلم: غادة الشريف
لم تعد الطفولة في شتى أرجاء العالم في مأمن من مخاطر الشبكة العنكبوتية وعالمها لافتراضي؛ المفتوح على الكوكب البشري؛ بكل احتياجاته ومتطلباته، وذلك نتيجة انتقال عالم الطفولة برمته من الأرض إلى مواقع ومنصات على النت.
وقد بدأت المأساة من أكثر شيء يتعلق به الطفل عادة في أي مكان وثقافة وبيئة؛ ألا وهو عالم اللعب والترفيه، تتلوه منصات التعليم الواسع والمختلف، فالرياضة، فالتغذية والطبابة، حتى عوالم السيارات والطائرات باتت تمتلئ بآلاف الأطفال من مختلف الأرجاء والجنسيات يوميًا.
وكل هذا قد يبدو ضروريًا حتى ولو كان لأوقات طويلة يقضيها الطفل على النت وبين يديه جهاز لوحي رقمي، يُمعن التحديق فيه ليل نهار!! أمّا أن يقتحم الطفل المواقع الإباحية، ومنصّات التجسس العالمية الإلكترونية، فهذا شيء غير طبيعي ولامقبول!
لذا المشكلة في تفاقم، خصوصًا مع تزايد حاجة الطفل اليومية إلى منصات النت، ولاسيما التعليمية منها، وسواء أحضر الدور التربوي أم غاب، فإن المسالة قد خرجت تمامًا من أيدي الجميع على مايبدو، ليبقى التساؤل وجيهًا يفرض نفسه، إلى متى سيبقى الطفل ضحية لهذا العالم الافتراضي بغثه وسمينه؟
ولعل أول من نتوجه إليهم بالمساءلة، هم الآباء، لنجد أنَّ اهتمام الآباء بأبنائهم قد ضعف! من جراءانشغالهم الدائم بتأمين متطلبات العيش لفلذات أكبادهم، أمام هذا الزحف الرقمي اللامتناهي، وبما أن الآباء هم قدوة لأبنائهم في كل شيء؛ فقد باتت هذه القدوة الغافلة عن أبنائها، غارقة هي الأخرى في متاهات العالم الرقمي! ولاأسف على الأبناء إذن! فالطفل يقتدي بما يراه من والديه، وليس بما يسمعه منهما، وعندما تضيع القدوة تضيع الأجيال!!
وبعدُ، فإنَّ الحديث يطول، وبالذات إن كان التحدث سيتوغل في مشكلات صحيَّة، جسدية ونفسية، فمثلًا: الإدمان على الأجهزة الرقمية، المكتبية والمحمولة ولساعات طويلة، يخرِّب البصر، ويؤثر على الجهاز العصبي المركزي، كما يضغط على العمود الفقري وعظام الرقبة!! ناهيك عن حالات التوتر، القلق والخوف أحيانًا، نتيجة الإثارة والرعب المستمرَّين، على الشاشات الرقمية تلك.
وعليه، لايجب الاكتفاء بطرح المشكلة، أسبابها ونتائجها فقط، ودون التطرق إلى كيفية حلِّها، وحلُّ مثل هذه المشكلة، لايكون فرديًّا أبداً، لأنَّ هذه المشكلة، لاتخصُّ فئة واحدة من الأطفال، في مكان واحدٍ في هذا العالم؛ بل إنَّ الحلَّ يحتاج إلى جهود جماعية عالمية ومخلصة، تستخدم التكنولوجيا نفسها والإنترنت ذاته، وسيلة لتقديم الكثير من التوعية الحوارية والشرح بعيدًا عن أسلوب الوعظ في الطرح، وذلك لما فيه من مباشرة فجة وممجوجة! لايحبها الطفل عادة! مع المتابعة المستمرة من الأهل، لكل ما يطَّلع عليه الطفل من برامج، سواء كانت في مجالات احتياجاته، أم في غيرها.
وكذلك تخصيص وقت يومي عالمي موحد ومحدد لبقاء أي طفل على الشبكة العنكبوتية، يتناسب فقط مع متطلباته الدراسية، وحاجته للعب، وأمَّا السوشيال ميديا، فهي لاتربي طفلًا ولاتفقِّه جيلًا! إنّهَا وبكل بساطة، مضيعة لوقت وجهد الطفل! ونحن إذ نحاول معالجة المشكلة، لانقول أن هذه الحلول السريعة والقليلة، كافية لصرف أطفالنا، عن هذا العالم الساحق الماحق، لأنَّ تأثيره كبير وجدُّ خطير!!
ولايخفى على أحد مضطلع ولو قليلًا، على واقع الطفولة الرقمية، ماللتأثيرالأخلاقي والغير الراقي، لهذا العالم الصاخب وغير المنضبط، على سلوكيات أطفالنا، التي باتت شاذة حقًا!! وفوق كل هذا، يأتيك من يقول: النت اكتشاف كَوني وتقدم حضاري! لابدَّ منه، حسنًا، وهل يجب أن يدفع أطفالنا، ثمن هذا التقدُّم الحضاري وضريبة تلك التكنولوجيا الرقمية، من صحتهم الجسدية، العقلية، والأخلاقية؟! لقد باتت المجتمعات لاإنسانية، نتيجة تمدد هذا الكائن الافتراضي، وفريسة سهلة لتفكك القيم الاجتماعية والأسرية، وانهيار أخلاقيات تلك المجتمعات.