يرقان الأطفال حديثي الولادة Infant jaundice إحدى الحالات الشائعة التي تصيب الأطفال في الأيام الأولى من عمرهم، وخاصة أولئك الأطفال الذين يولدون في وقت مبكر، أي قبل بلوغ الأسبوع 36 من عمر الحمل.
إصابات الصفرة “اليرقان”
والصفرة “اليرقان” jaundice، أو ما يسمى بالصفار في بعض المناطق العربية، بالأصل هو وصف طبي لحالة تغير لون كل من الجلد وبياض العينين نحو اللون الأصفر.
والسبب الرئيسي وراء إصابة كثير من الأطفال بهذه الحالة العابرة، هو أن قدرات الكبد لديهم لم تكتمل بعد، وبالتالي لا يكون قادرا بكفاءة على تخليص الجسم من المادة الكيميائية التي تتسبب بتغير لون الجلد وبياض العينين. ولكن في بعض من الحالات، تكون ثمة أسباب مرضية أخرى.
وغالبية حالات يرقان الأطفال حديثي الولادة لا تستدعي القلق من قبل الوالدين ولا الطبيب، ولا تستوجب بالضرورة معالجتها، إلا أن بعضا من تلك الحالات الشديدة يتطلب التدخل الطبي العلاجي لوقف تفاقم تأثير السبب المؤدي إليها، ومنعا لحصول أي مضاعفات على دماغ الطفل.
ولأن الصفرة “اليرقان” لدى الأطفال حديثي الولادة هو أمر شائع، ولأن هناك أسبابا طبيعية وأخرى مرضية، ولأن الأمور قد تتطور إلى الحالة الشديدة بكل ما لها من تداعيات، فإن من الضروري أن تستوعب الأم وكذلك الأب الكثير مما يتعلق بهذا الموضوع الحيوي.
ظهور الصفرة “اليرقان”
غالبا ما يبدأ الصفرة “اليرقان” بالظهور لدى الرضيع بين اليوم الثاني والرابع من العمر. وأعراض الإصابة بيرقان الأطفال حديثي الولادة العناصر واضحة، وهي صفار لون الجلد، وصفار بياض العينين. وغالبا ما تتم ملاحظة الصفار على جلد الوجه، ثم بياض العينين وجلد الصدر والبطن واليدين والرجلين.
وأفضل وسيلة للتحقق من مدى وجود الصفرة “اليرقان”، هي الفحص تحت ضوء النهار عبر الضغط برفق بالإصبع على جلد جبين أو أرنبة أنف الطفل، لإزالة لون تدفق الدم في الشعيرات الدموية للجلد.
وإذا وضح اللون الأصفر على جلد تلك المنطقة، قبل عودة تدفق الدم، فإن الطفل لديه يرقان. وإذا بدا لون الجلد باهتا فقط، فليس لدى الطفل يرقان في الغالب.
والسؤال، متى يجب على الوالدين طلب المعونة الطبية لمثل هذه الحالات؟
الواقع الممارس في غالبية المستشفيات هو فحص الطفل الحديث الولادة لليرقان قبل خروجه من المستشفى. وتحث إرشادات الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال على فحص الأطفال حديثي الولادة لليرقان على الأقل مرة كل 12 ساعة بعيد الولادة وأثناء وجودهم بالمستشفى.
ولكن الطفل الحديث الولادة بالعموم، والأطفال الذين يغادرون المستشفى عادة في وقت مبكر، يجب فحصهم خلال الفترة ما بين اليوم الثالث والخامس من العمر، وهو الوقت الذي تكون فيه نسبة مادة «بيلوربين» المتسببة باللون الأصفر لليرقان، في أعلى معدلاتها الطبيعية للارتفاع المتوقع لدى غالبية الأطفال.
علامات الصفرة “اليرقان”
ولذا تنصح الأكاديمية عموم الأمهات اللواتي غادرن المستشفى خلال أقل من 72 ساعة ما بعد الولادة، بترتيب مراجعة للطبيب خلال يومين بعيد الخروج من المستشفى. وقبل ذلك إذا ظهرت لدى الطفل إحدى العلامات التالية:
– إذا ازدادت درجة غمق صفار لون الجلد، أو ظهر الصفار واضحا في بياض العينين.
– إذا كان الصفار واضحا في جلد البطن أو الرجلين أو الذراعين.
– إذا ما أبدى الطفل صعوبات في الرضاعة.
– إذا ما كان الطفل غير مرتاح أو مريض أو يصعب إيقاظه.
– إذا ما بدأ الطفل بالصراخ بنبرة حادة.
– إذا ما استمر الصفار لمدة تزيد على ثلاثة أسابيع.
وهذه كلها علامات قد تشير إلى أن درجة الصفرة “اليرقان” شديدة لدى الطفل.
مسببات الصفرة “اليرقان”
المادة التي تتسبب في تغير لون الجلد نحو الأصفر هي مادة صفراء اللون تسمى «بيلوروبين» Bilirubin. ويؤدي ارتفاع نسبتها في الدم إلى الصفرة “اليرقان” لدى أي إنسان، كبيرا أو صغيرا. ومصدر هذه المادة هو عملية إعادة الاستهلاك لمكونات خلايا الدم الحمراء. ومعلوم أن خلايا الدم الحمراء تحتوي على مادة «الهيموجلوبين»، وهي مادة مكونة من اتحاد بروتينات مع عنصر الحديد.
وحينما تشيخ خلايا الدم الحمراء ويجري تفتيتها لاستخلاص المواد المفيدة فيها لإعادة استخدامها في تكوين مركبات الهيموغلوبين، أو حينما تتكسر تلك الخلايا الدموية الحمراء بفعل عوامل عدة ويجري الكبد عملية إعادة الاستخلاص منها، فإن مادة «بيلوروبين» تظهر في الجسم.
وعلى الكبد أن يتعامل مع هذه المادة لإخراجها ضمن عصارة المادة الصفراء التي تخرج مع عصارة المرارة إلى الأمعاء الدقيقة. وحينما ترتفع نسبة تلك المادة بكمية لا يقدر الكبد على التخلص منها، أو حينما يكون الكبد ضعيفا، أو لوجود سدد في مجاري خروج عصارة المرارة، فإن مادة «بيلوروبين» ترتد إلى الدم وتنتشر لتصل إلى الجلد وبياض العينين، ومن ثم يظهر صفار الصفرة “اليرقان”.
ومن الضروري ملاحظة أن الصفرة “اليرقان” هو تغير اللون في كل من الجلد وبياض العينين، وليس فقط في الجلد، لأنه لو حصل في الجلد فقط لا يسمى يرقان ناجم عن ارتفاع مادة «بيلوروبين» في الدم، بل حالة زيادة مادة صبغة كاروتين النباتية Carotenaemia.
وفي حالة الأطفال حديثي الولادة، هناك كمية كبيرة من خلايا الدم الحمراء، ووتيرة إنتاج خلايا الدم الحمراء وكذلك وتيرة تكسير خلايا الدم الحمراء، هي سريعة لدى الجنين والطفل الحديث الولادة. وبالتالي تحصل حالة ارتفاع نسبة مادة «بيلوروبين» في الدم hyperbilirubinemia. وخلال مرحلة الحمل يُساعد جسم الأم على كفاءة القيام بتخليص جسم الجنين من هذه المادة الضارة.
ولكن بعد الولادة، ونظرا لأن قدرة عمل كبد الطفل محدودة، فإن نسبة تلك المادة ترتفع بشكل طبيعي في الأيام الأولى من العمر، ثم لا تلبث أن تخف تدريجيا. ولذا يحصل الصفرة “اليرقان” بشكل طبيعي فسيولوجي physiologic jaundice لدى الطفل الحديث الولادة، ولكن ضمن نسبة طبيعية ولفترة طبيعية.
أسباب أخرى
ولكن ليس هذا هو السبب الوحيد لظهور الصفرة “اليرقان” لدى الطفل حديث الولادة، بل هناك أسباب أخرى قد تؤدي إلى ظهور الصفرة “اليرقان” في وقت إما مبكر بالمقارنة مع الصفرة “اليرقان” الفسيولوجي المتوقع، أو في وقت متأخر عنه. ومن تلك الأسباب الأخرى:
– حصول نزيف داخلي لدى الطفل.
– التهاب ميكروبي في الدم.
– التهابات بكتيرية أو فيروسية في غير الدم داخل جسم الطفل.
– عدم تجانس incompatibility بين دم الأم ودم الجنين.
– ضعف عمل الكبد.
– نقص في بعض الأنزيمات.
– اضطرابات في نوعية الهيموجلوبين داخل الخلايا الدموية الحمراء للطفل.
وهناك عدة عوامل ترفع من احتمالات تعرض الطفل لحالة شديدة من الصفرة “اليرقان” بُعيد ولادته. وهي التي يتنبه لها الأطباء عادة خلال متابعة الأم الحامل في مراجعات فترة الحمل، ومن أهمها:
– الولادة بشكل مبكر بالنسبة لعمر الحمل. والكبد لدى الطفل في هذه الحالات لا يمتلك الكفاءة الطبيعية للعمل والتعامل مع مادة «بيلوروبين»، مقارنة بالأطفال المولودين بعد تمام اكتمال الحمل. كما أن هؤلاء الأطفال لا يرضعون بشكل كاف لتنشيط الجهاز الهضمي وتسهيل خروج مادة «بيلوروبين» مع البراز كما يحصل بشكل طبيعي.
– إصابات الكدمات خلال عملية الولادة. وهو ما يتسبب في نزيف دموي في الجلد، ويتبعه تكسر خلايا الدم الحمراء وارتفاع نسبة مادة «بيلوروبين» في الجسم.
– اختلاف في نوعية فصيلة الدم بين الجنين والأم، ما قد يُؤدي إلى دخول مركبات الأجسام المضادة من جسم الأم إلى جسم الجنين عبر المشيمة. وبالتالي يسهل تكسير خلايا الدم الحمراء لدى الجنين أو الطفل حديث الولادة.
– اقتصار الرضاعة على ثدي الأم، وخاصة لدى الأطفال الذين يُواجهون صعوبات في الرضاعة أو لا يتلقون كمية كافية من حليب الأم. وهنا يتسبب الجفاف لدى الطفل وعدم تلقي كميات كافية من طاقة السعرات الحرارية، في نشوء الصفرة “اليرقان”.
مضاعفات الصفرة “اليرقان”
وفي حالات الشديدة لليرقان، وفق التعريف الطبي، قد تحصل عدة مضاعفات. ولكن من أهمها تأثيرات مادة «بيلوروبين» بشكل مباشر على الدماغ، وهو ما قد يأخذ شكلين. هما:
– الشكل الأول، هو الاعتلال الدماغي الحاد للبيلوروبين acute bilirubin encephalopathy، وفيه يتسبب الارتفاع الكبير في مادة بيلوروبين بدخول المادة السامة تلك إلى منطقة الدماغ، وبالتالي تعمل على اضطراب عمل الدماغ، ما يتطلب معالجة سريعة. وتشمل أعراض هذه الحالة الإعياء والكسل الشديد وصعوبات في إيقاظ الطفل، وصراخ الطفل بنبرة عالية، وصعوبات يُواجهها الطفل في إتمام عملية الرضاعة ومصّ حلمة الثدي، وتقوس الظهر والعنق بشكل مُقعّر، وارتفاع حرارة الجسم.
– الشكل الثاني، هو أحد المضاعفات المتأخرة للاعتلال الدماغي الحاد للبيلوروبين، وتُسمى بالترجمة العربية حالة الصفرة “اليرقان” النووي Kernicterus. وهي نتيجة لترسب مادة «بيلوروبين» في أجزاء من الدماغ لدى الطفل. وبالتالي تظهر لدى الطفل اضطرابات دائمة في قدرات الحركة وتناغمها بالجسم واضطرابات سمعية واضطرابات في قدرات التفكير والذكاء.
نقاط مهمة حول يرقان الطفل حديث الولادة
1. من الطبيعي جدا أن يحصل الصفار لدى 70 في المائة من المواليد حديثي الولادة.
2. الصفرة هي ناتج عن ظهور مادة «بيلوروبين» في الدم. وهذه المادة تأتي من خلايا الدم الحمراء عند تكسرها. ومن الطبيعي أن تتكسر بعض خلايا الدم الحمراء بعد الولادة لأن دم الجنين يحتوي على كميات عالية من خلايا الدم الحمراء، والتي لا يحتاج إليها حقيقة الطفل بعد ولادته. ولذا فإن تكسر هذه الكمية القليلة من خلايا الدم الحمراء لن يُؤذي الطفل المولود.
3. ولأن كبد الطفل لم يكتمل نموه بعد، ولم تكتمل قوة قدراته على إزالة مادة «بيلوروبين» من الجسم، فإن نسبة مادة «بيلوربين» تزيد في الجسم، ويظهر الصفار على الطفل. أما قبل ولادة الطفل، فإن المشيمة كانت تقوم بتنقية الدم من هذه المادة.
4. الطبيعي في الصفرة “اليرقان” أن ينشأ الصفار خلال اليوم الثاني أو الثالث من بعد الولادة، وتزداد شدة الصفار خلال الأربعة أيام التالية، ثم تبدأ بالانخفاض التدريجي. ولذا قد يستمر الصفار لمدة نحو أسبوع أو أسبوعين. ومن المطمئن جدا ما تشير إليه جميع المصادر الطبية بأن وجود الصفار لمدة أسبوعين لا يتسبب بأي أضرار مستقبلية على صحة الطفل.
5. من الطبيعي أن تستمر مدة الصفار أطول إذا كان الطفل يتلقى رضاعة طبيعية من ثدي الأم.
6. الأمر غير الطبيعي أن يُولد الطفل ولديه من اللحظة الأولى صفار، أو أن ينشأ الصفار خلال اليوم الأول من الولادة.
7. عادة ما، يقوم الأطباء روتينيا بإجراء فحص سريري للمولود كل 12 ساعة خلال فترة ما بعد الولادة لمعرفة ما إذا كان ثمة صفار. كما يجرى بشكل روتيني أيضا تحليل دم للطفل في الـ24 ساعة بعد الولادة. أي قبل الخروج من المستشفى. ويتم تحديد الأطفال الأكثر عرضة للإصابة بالصفار.
8. إذا كان الصفار ضمن المعدلات الطبيعية، فلا يحتاج الأمر إلى أي علاج. بل تستمر ملاحظة الطفل، ويستمر تكرار إجراء تحليل نسبة مادة «بيلوروبين» إذا رأى الطبيب ضرورة ذلك. مع الاهتمام بإعطاء الطفل السوائل التي تساعد على تنقية الجسم من هذه المادة. ويتم إخراج هذه المادة من الجسم عبر البراز. (مادة «بيلوروبين» هي التي تعطي البراز اللون البني لدى الأطفال والبالغين).
9. عندما تكون نسبة مادة «بيلوروبين» عالية، يلجأ الأطباء للعلاج. وهو ما يُسمى بـ«العلاج الضوئي». أي تسليط نوع أزرق بنفسجي من الضوء على جسم الطفل، لتتحول مادة «بيلوروبين» إلى مادة خاملة يسهل إخراجها.
10. عند تحليل الدم، تلاحظ النقاط التالية:
– المستوى الطبيعي في نسبة مادة «بيلوروبين» هو 2 ملغم/ديسيلتر.
– المستوى الطبيعي في صفار ما بعد الولادة هو أن تصل النسبة إلى 12 ملغم/ديسيلتر (أي إنه ليس خطرا على الطفل).
– ما فوق 15 ملغم/ديسيلتر هو ما يتطلب معالجة من قبل الأطباء.