قد تبدو فكرة أن الميكروبات تساعد الأطفال في التنفس غريبة بعض الشيء، لكن تجب معرفة أنه ليست الميكروبات كلها بالضرورة ضارة ومؤذية.. وكلمة ميكروب Microbe أو جراثيم Microorganism تعني خلايا دقيقة الحجم جدا، لا ترى بالعين المجردة، ومكونة في الأغلب من خلية واحدة أو مجموعة عنقودية من الخلايا.
وأظهرت دراسة حديثة نُشرت في فبراير (شباط) من العام الحالي قام بها فريق بحث دولي من الأطباء من جامعة لودفيغ ماكسميليانز بميونيخ في ألمانيا (Ludwig Maximilians)، على أطفال المدارس في مدينة بافاريا الألمانية، أن الأطفال الذين يعيشون في المزارع أقل عرضة للإصابة بحساسية الصدر أكثر من غيرهم من الأطفال في المدن، وذلك بخلاف الدراسات السابقة التي كانت تربط بين المزارع والأزمة الصدرية.
وأرجع الباحثون ذلك لاختلاف نوعية الميكروبات الموجودة في كل بيئة؛ حيث أشارت الدراسة إلى أن نوعية ميكروبات معينة يمكن أن تكون بمثابة حماية ووقاية من مرض معين.
اختلاف الميكروبات
وقد نشرت دراسات عدَّة في السنوات الأخيرة أوضحت الفرق الواضح بين الأطفال الذين يعيشون بالقرب من المزارع وغيرهم من الأطفال في احتمالية الإصابة، وهو الأمر الذي أكدته هذه الدراسة؛ حيث أشارت إلى أن الأطفال في المزارع يتعرضون لنوعيات مختلفة ومتعددة من الميكروبات على عكس الأطفال في البيئة الحضرية.
وقد أشار الدكتور ماركوس إيجه (Markus Ege)، وهو أستاذ بجامعة ميونيخ وأحد المشاركين من الفريق الطبي في هذه الدراسة، إلى أن الآلية الفسيولوجية التي تقلل بها هذه الجراثيم خطر الإصابة بحساسية الصدر ما زالت غير معروفة، لكن فريق البحث تمكن من تحديد عدة نوعيات من الميكروبات تسهم في الوقاية من الحساسية.
وعلى الرغم من صعوبة التوصل لطرق جذرية للقضاء على المرض، فإن التعرف على هذه الميكروبات يعتبر خطوة مهمة في طريق تطوير تطعيم أو لقاح مناسب يمكن استخدامه مستقبلا للوقاية من حساسية الصدر؛ حيث تمثل حساسية الصدر مرضا مزمنا شديد الانتشار بين الأطفال في أوروبا، وله أسباب جينية وعوامل بيئية، وفى الكثير من الأحيان يصاحب المرض الطفل طوال حياته، وهو الأمر الذي يوضح الأبحاث المتواصلة بخصوص حساسية الصدر؛ حيث تمثل مشكلة صحية كبيرة.
وقد حاولت الدراسة التعرف على الفروق بين بيئة المزارع وغيرها؛ حيث ركزت على الميكروبات الموجودة في البيئة الداخلية، مثل المنازل الموجودة بجوار المزارع.
وقامت بجمع ذرات التراب من حجرات نوم الأطفال ومن أماكن وجودهم ومن النوادي، وقامت بتحليل الحمض النووي (DNA) الموجود بالبكتيريا والفطريات المأخوذة من العينات المنزلية.
وأظهرت النتائج تنوع وتعدد الميكروبات والفطريات في المزارع عن نظيرتها بالمدن الحضرية أو الأماكن المغلقة، وهي تعمل من خلال تنوعها بمثابة واقٍ ومانع للأزمة الصدرية، وكلما زاد تنوع الميكروبات والفطريات قل التعرض للحساسية.
ميكروبات واقية
وعلى الرغم من أن الطريقة التي تعمل من خلالها الميكروبات كوقاية من الأزمة غير معروفة تماما، فإن الباحثين قد حددوا احتمالين يمكن من خلالهما التوصل لمعرفة طريقة عملها، الاحتمال الأول: أن تعرض الجهاز التنفسي باستمرار لنوعيات مختلفة ومتنوعة من الميكروبات يحفز جهاز المناعة بالنسبة للطفل، وبالتالي يتم إنتاج أجسام مضادة للميكروبات الوافدة، وبالتالي الحماية منها.
وهي نفس فكرة التطعيم من مرض معين؛ فالمعروف أن التطعيم من أي مرض يكون بإعطاء الجسم جرعات مخففة وأحيانا متوالية من الميكروب، وبالتالي يكون محصنا بشكل مسبق وقت الإصابة.
أما الاحتمال الثاني فهو أن وجود نوعيات كثيرة ومتباينة من الميكروبات لا يمكن الميكروب المسبب للأزمة الصدرية أن تكون له اليد العليا في الجسم، ويحدث نوع من أنواع الاستيطان من الميكروبات الجيدة بدلا من الميكروبات الضارة داخل الجهاز التنفسي، تماما كما في الجهاز الهضمي؛ حيث توجد ميكروبات وفطريات كثيرة، لكنها لا تؤذي الجسم.
وليس ذلك فحسب، لكنها أيضا ضرورية ليعمل العضو بكفاءة. فإن بعض أنواع البكتيريا الموجودة بالأمعاء مثلا تساعد في تكوين فيتامين K في الأطفال حديثي الولادة، وبالتالي فوجود هذا التنوع الميكروبي يزيد من كفاءة الجهاز التنفسي.
وقد أوضح دكتور إيجه أنه ليس مجرد التنوع فقط هو الذي يعمل كوقاية، وليس كافيا لمنع الأزمة، لكن أيضا تجميع أنواع محددة من الميكروبات والفطريات. ومن خلال مجموعة كبيرة من أطياف الميكروبات، وجد أن هناك أنواعا معينة ذات أهمية خاصة، مثل العصيات (Bacilli)، وأنواعا معينة من الميكروبات العنقودية (Staphylococci) مثل Staphylococcus Sciuri، أي العنقودية السنجـــــــــــــــــابية، وكذلك هناك أنواع معينة من الفطريات مثل فطر جنس Genus Eurotium.
ومن المعروف أن الاهتمام بدراسة الدور الذي تلعبه الميكروبات في الوقاية من الأزمة الصدرية في تزايد مستمر في السنوات الأخيرة؛ حيث أكدت دراسة سابقة، نشرت منذ نحو 3 سنوات، أن وجود ميكروب معين في المعدة Helicobacter Pylori، وهو الميكروب المسبب لقرحة المعدة، يقلل من الإصابة بالأزمة الصدرية؛ حيث أشارت الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يحملونه تقل نسبة تعرضهم للمرض قبل سن الـ15 بنحو 40% عن الأشخاص الذين لا يحملونه، من خلال نظرية أطلق عليها النظافة الافتراضية Hygiene Hypothesis. وهي ببساطة توضح أن الأطفال الذين يعيشون في بيئة نظيفة تماما ليسوا بالضرورة أوفر حظا في عدم التعرض للأمراض.
وهذه النظرية تؤكد الدراسة الحديثة، وتشير إلى أن تعرض الأطفال للكثير من الميكروبات غير الضارة يمنع أو يقلل من الإصابة بالحساسية بشكل عام، والحساسية الصدرية بشكل خاص.
لماذا أطفال الريف أقل عرضة للإصابة بالحساسية الصدرية؟
0