“عانس”.. حرب مجتمعية تواجه المرأة العربية!

مقالات
386K
0



قصة اليوم تتشابة مع الكثير من قصصنا الأسرية، خلف أبواب بيوت دافئة بأحلام مؤجلة، تتفق في تفاصيلها المُفزعة، وتتطابق في مضمونها الشنيع، وقد تكون بطلة القصة هي الأخت أو الصديقة المُقربة، التي لطالما فرت من أفكار مجتمعها العقيم بالاختباء داخل زوايا غرفتها، تبكي وتتألم بمفردها، وفي الصباح تتحرر من أنياب اليأس بأجمل طلة لها، أناقتها كافية لهزيمة شماتة الكون، وكأنها لم تتقلب على جمر البؤس طوال ليلها الحالك، فقط تتألق بدمعها الخفي.

قصة تجعلك تقف أمامها حائرًا حيال أمر بطلتها المسكينة! تتساءل.. هل تستسلم أمام نظرة المجتمع لها، أم تواجه بشجاعة بغض النظر عن النتائج؟ صحيح أن المعركة غير عادلة، فهي فتاة بسيطة تحلم بتحقيق الاستقرار، وأن ينشأ من رحمها جيل سوي، برفقة شريك الحياة الذي يمنحها الحب دون أن تطلبه، بمجرد النظر إليه يسرها، وبوجوده تتبدد قسوة الدنيا، وعلى الجانب الآخر، يتصيدها مجتمع بأكمله فيذبحها بسكين العادات والتقاليد والقيل والقال، فهل تجد أن فتاة بهذه المطالب الزهيدة تستحق أن تُنهش بنظرات البشر سوداء النوايا؟!

نعم، فهم يرمقون أي فتاة تأخر سن زواجها بنظرات خادشة، غليظة، حتى أنهم بينهم وبين أنفسهم يوجهون لها أبشع التهم، كتهمة الانحلال الأخلاقي التي أدت إلى نفور الرجال منها، وجعلت من سيرتها وصمة عار لها ولكل من يعرفها! يوجهون التهمة لشرفها والحق أنه كنزها الوحيد الذي دفعت لأجله روحها، فأن ترتكب جريمة تهتز لها القلوب أهون من أن يتأخر قطر زواجها! أن تُطاردها قبضة البوليس أرحم من مطاردة شبح العنوسة لها! يا لها من دُعابة سخيفة! وكأن القرار يرجع لها! وكأن النصيب لُعبة تلهو بها كيفما تشاء! أن تقرر مصيرها وتختار الزوج كامل الأوصاف كما تختار فستان أو حقيبة آخر موديل، وكأنها تختار العذاب والوحدة بصدر رحب، أي منطق هذا! أي منطق يقول أن الأنثى بكامل ضعفها تحسم قرارها في التخلي عن الحب بمحض إرادتها! خاصةً في هذا الأمر القدري، الذي لا يد لها في تحديد مساره، ولا شأن لها في رسم خارطة طريقها خلاله، هو كالموت، تنتظره ولا تعلم متى وأين وكيف يقع! فهل من العدل أن تُحاسب الأنثى على انتظارها العفاف؟

الكثير من القصص سمعتها، بقلوب مفطورة لا تملك سوى إخراج ما فيه من كلمات كالرماح المُسممة، كي لا تُصاب بغيبوبة أمل تُلقي بها خارج أسوار الحياة وهي لا زالت على قيدها!

“متى الزواج؟ ألم يحن الوقت بعد؟!”

“تأخر موعدك كثيراً!”




“العمر يمر بك، ألا تلاحظين؟!”

وغيرها الكثير والكثير من مواقف كفيلة أن تسحق سلام الفتاة في غمضة عين، دون النظر لمردود تلك الكلمات عليها، الحق أنها تقع عليها وقع الصاعقة! فكيف يكون وقعها على الأهل؟ فهم بطبيعة الحال ينجرفون وراء مُهاترات القريب والبعيد، فنجد أن كثير من الخلافات تنشب بسبب كلمة خرجت على لسان طائش كالرصاصة، فينتهي معها اطمئنان الأسرة وتسليمهم للقضاء والقدر.

هي مأساة كبرى يشنها المجتمع على الفتاة العربية، بمختلف طوائفه وأشكاله، حتى أن بعض الأفلام أصبحت تحارب هذه الفئة من الفتيات، بتصوير مشاهد رومانسية مُتقنة تحرك في قلبها مشاعر دفينة، وكأنها هدف أصيل لهذه الأعمال، لتبحث هنا وهناك عن من يُلملم شتات القلب الحزين، وعند الفشل في الوصول إليه، قد يصل الأمر أن بعضهن يقعن في قبضة الانتحار جراء عدم وجود زوج يشاركها الإحساس الحلال، وغيرهن يكون العلاج النفسي هو الملاذ من استعمار لقب “عانس” عليهن، ليصبح الدخول في دوامة الأدوية والمسكنات هو الحل أمامهن للحفاظ على ما تبقى من إتزانهن.

وهُنا أجد أن قضية “العنوسة” من أهم القضايا التي لا بد أن تُثار إعلاميًا بتوسع أكبر، بتقديم مساندة معنوية وتشكيل وعي ودراية بجوانب القضية، كي لا تشعر أي فتاة باختلاف لونها وجنسها أنها في عالم البشرية طفرة! فقط كونها لم تُغير خانة الحالة الإجتماعية بعد! لا يلمس ألمها مخلوق، ولا يضمد جراحها أحد! فهي تُكابد أصعب شعور على الإطلاق، هي نبع الحنان والمحبة، وأن تكبت العطاء الأنثوي داخلها فهو أقسى ما يمكن أن يكون خلال رحلة حياتها على الأرض! فهي خُلقت كي تمنح كل معاني المودة والرحمة، ولكنها في ذلك الاختبار تحارب وحدها دون دعم أو مساعدة.

أجد معركتها مصيرية، بين مُفترق طرق، أن تحافظ على براءة قلبها، في ظل انتشار الفتن والمُغريات، وأن تخرج للمجتمع بفكره الجامد ثابتة قوية مؤمنة أن لها من النصيب أجمله، مهما تأخر.

 






تعليقات الفيسبوك