عندما نشرت الصحف في بريطانيا منذ بضعة أسابيع خبر انتعاش عمليات حقن الأقدام بالبوتوكس والكولاجين
من أجل التخفيف من آلام الكعب العالي لم تستغرب المرأة الأنيقة، لأنها تعرف بوجود هذه العمليات في
الولايات المتحدة الأميركية منذ سنوات
تعرف أيضا أن انتقالها إلى بريطانيا ومنها إلى أوروبا من باب تحصيل حاصل
أما من لم تكن تعلم
بها فرحبت بالفكرة وأثار الخبر فضولها، لأنه يمنحها الأمل بالتخلص من الألم بعد أن فشلت في التخلص من
تعلقها بالكعب العالي
هذا الكعب الذي يتضمن بالنسبة لها الكثير من المعاني بدءا من القوة والأنوثة إلى النعومة والإثارة
والخصوبة وهلم جرا
ومهما تغيرت إيحاءاته ومعانيه، وطبعا موضته، يبقى نقطة ضعفها الذي لا
تستغني عنه مهما بلغت حجم الآلام التي يسببها لها والمخاطر التي يعرضها لها، كما يبقى الدجاجة التي
تبيض ذهبا للمصممين
صحيح أن موضة الخريف والشتاء المقبلين تحتفل أيضا بالأحذية دون أي كعب، بعد أن تفاجأ المصممون من أن
مبيعاتهم منها زادت بشكل في أكثر المناطق تعصبا للكعب العالي مثل روسيا
المصمم مانولو بلانهيك، مثلا، بعد عودته منها مؤخرا قال إن أي تصميم من دون كعب تخاطفته زبوناته
بمجرد عرضه، في إشارة واضحة إلى أنهن وقعن في غرام الراحة
وقال بلانهيك
«أنا دائما أصمم
أحذية من دون كعب، لكن منذ موسمين تقريبا بدأت ألاحظ زيادة إقبال عليها، وأي تصميم أطرحه ينفذ من
السوق مباشرة»
لكن هل يعني هذا أن الكعب العالي سيختفي أو يتراجع؟ والجواب طبعا هو النفي، لأنه ما دامت المرأة
تعانق أنوثتها، فلن تتخلى عنه مهما كان الثمن
والمتتبع لانتعاش سوق الأحذية بمفهومها الجديد، وكيف أصبحت بمثابة إكسسوارات فنية تنافس حقائب اليد
في إضعاف مقاومة المرأة وتحقيق الربح لأصحابها، يعيد السبب إلى السلسة التلفزيونية «سيكس آند ذا
سيتي»
فبطلتها، كاري برادشو، التي لعبت دورها سارة جيسيكا باركر، هي التي نشرت عدوى الهوس بها كأداة تعبر
بها المرأة ليس عن أنوثتها فحسب بل أيضا عن استقلاليتها
انتهت السلسلة الناجحة منذ عدة
سنوات، إلا أن تأثيرها لا يزال ساريا
لهذا ليس غريبا أن يصبح مصممو الأحذية، من أمثال كريستيان لوبوتان، جيمي شو، مانولا بلانيك من
الأسماء التي تعرفها كلها أنيقات العالم بغض النظر عن الجنسيات والأعمار ويتطلعن إليها
وليس غريبا أيضا أن تشجع شهرة هؤلاء على ظهور مصممين جدد متخصصين في تشريح أقدام المرأة ونحت كعوب
فنية تجعلها تتطلع إلى العالي
فمعدل الكعب حاليا يقدر ما بين 8
25 سنتيمتر و16 سنتيمترا،
ومع ذلك فإن المرأة تقنع نفسها بأنه إذا كانت أنيقات مثل فيكتوريا بيكام، العارضة إيل ماكفرسون
والمغنية شيريل كول يتحملنه، فحري بها أن تتحمله هي الأخرى
لهذا كان من الطبيعي أن تدخل هذه الأحذية الصاروخية التي كانت في السابق من نصيب النجمات ومغنيات
البوب ومثيلاتهن، المكاتب السياسية ومجالات الأعمال، بل وحتى المجتمع الراقي، وليس أدل على هذا من
ماريسا ماير، الرئيس التنفيذي الجديد لـ«ياهو»، التي تميل إلى الكعب المدبب، ودوقة كمبردج، كاثرين
ميدلتون، التي تعشق أحذية ماركة «إيل كي بينيت» التي تصل إلى 11 سنتيمترا
مؤخرا شوهدت في
حذاء «بلاتفورم» من شركة «راسل آند بروملي» يفوق ارتفاعه ذلك بكثير
ومع ذلك يبقى السؤال لماذا تعشق المرأة، حتى الطويلة التي لا تحتاج إلى المزيد من الطول، هذه الكعوب؟
هل لأنها تمنحها الثقة والقوة؟ أم لأنها لا تزال ضحية صورة رسمها لها رجل لم يجرب أو يعاني العذاب الذي
تسببه في الكثير من الأحيان، بحكم أن أشهر مصممي الأحذية رجال؟
المصمم كريستيان لوبوتان، عندما سئل في إحدى المرات عن الأمر، قال ما معناه أنه يتعاطف مع المرأة،
لكنه في الوقت ذاته يشعر بأن مهمته تنصب على منحها تصاميم أنثوية وأنيقة أولا وأخيرا، أما الراحة
فهي تفصيل جانبي
وبالفعل فالدراسات الكثيرة التي نشرت للتحذير من التأثيرات السلبية لهذه الأحذية على صحة الركب
والظهر والأقدام، نظرا لأنها توزع ثقل الجسم بطريقة غير متوازنة فيزيد الضغط على القدم، ويسبب آلام
الظهر، لم تؤثر على مبيعات كريستيان لوبوتان أو غيره
والمؤسف أن أيا من المصممين نجح لحد الآن،
في منحها ذلك الحذاء الساحر والسحري الذي يجمع الأناقة بالراحة في الوقت ذاته
حذاء يلخص مفاهيم الأنوثة والقوة والعملية ويأخذها من مناسبات النهار إلى مناسبات المساء والسهرة
من دون تعقيدات ومخاطر
ويبدو أن المصممين ليسوا وحدهم من اقتنع بأن المرأة ستتحمل الألم، في كل
الأحوال، من أجل الجمال، فمؤرخ الأحذية ويليام روسي له مقولة مثيرة للجدل جاء فيها
«معظم
النساء يفضلن الذهاب إلى جهنم بكعب عال على الذهاب إلى الجنة من دون كعب»
المحلل النفسي، برنار رودوفسكي، مؤلف كتاب The Unfashionable Human Body كان له رأي مماثل، حيث
قال في كتابه بأن «الألم الجسدي مقبول لدى المرأة إذا كان يشكل جزءا من المغازلة والإغراء
المرأة ستدافع دفاع المستميت على الكعب العالي، لأن أي ألم للقدم هو أساسا شكل من أشكال جذب
الرجل، وبالتالي فهو تضحية مقبولة»
وطبعا قد لا يتفق الكل بأن المرأة ماسوشية إلى هذا الحد، كما لن يتفق كثير من النساء على أن يكون
هدفهن من الكعب العالي هو جذب الرجل
فالمتعارف عليه حاليا أن المرأة تتزين لنفسها لكسب
الثقة، أو من باب التنافس مع باقي النساء للتفوق عليهن، أي أن الأمر لا علاقة للرجل إلا في حالات
قليلة
تقول كاميلا مورتون، مؤلفة كتاب «How to Walk in High Heels (كيف تمشين في الكعب العالي) بأن
جاذبية الكعب العالي ترتبط بمعاني الأنوثة المترسخة في عقل المرأة منذ الطفولة
فمنذ نعومة أظافرها ترى أمها في هذه الأحذية وتتصيد الفرص لارتدائها عندما تكون الأم في غفلة، لما
تمثله من نضج وجمال
وتضيف أن المرأة عموما تشب على قصص الأساطير والأميرات، فيرتبط الكعب العالي
في ذهنها بالتحول
فهذا ما حصل مع سندريلا عندما لبست حذاءها الزجاجي قبل أن تتوجه إلى الحفل
الكبير الذي قابلت فيه أمير الاحلام
«نعم، نحن لا نلبس فساتين فخمة وضخمة في وضح النهار، لكننا نلبس أحذية بكعوب عالية، لأنها مقبولة
أكثر وتزيد من السحر، كما تخلق إحساسا بالترقب وكأن شيئا جميلا سيحدث»، حسب رأي المؤلفة
في الجهة المقابلة لهذه المحاذير هناك إيجابيات لا يمكن تجاهلها للكعب العالي، حسب رأي زوي مايسون، وهي
محللة نفسية
تقول إنها لا تتفق مع من يقولون إن المرأة تعذب أو تظلم نفسها عندما تلبس الكعب
العالي «بالعكس فهي تحصل على مزايا نفسية لا يستهان بها
عندما تكون في مركز مهم وتعمل مع
رجال ببدلات رسمية، يفضل أن تلبس حذاء بكعب عال، لأنه سيمنحها قوة وثقة لا تحصل عليهما من الحذاء
المنخفض»
وتستدل على قولها بماريسا ماير، الرئيس التنفيذي الجديد لـ«ياهو»، التي قلما تخلت عن
الحذاء ذي الكعب المدبب في اجتماعاتها المهمة
همسات
– قفي مستقيمة لأنه عندما يكون ظهرك منحنيا يكون كل الثقل على الجزء الأمامي من قدميك
– من المشاهير الذين كانوا يعشقون أحذية المرأة ويعتبرونها سر جمال المرأة الشاعر بودلير، كازانوفا،
الروائي سكوت فيزتجرالد، فون غوته، الموسيقار محمد عبد الوهاب
– الكعب العالي جدا يضع ثقلا كبيرا، يقدر بـ7 مرات من وزن الجسم على جزء صغير جدا هو مشط القدم،
وهذا ما يسبب الألم وهذا ما يدعو لتجنبه قدر الإمكان
– يقال إن الراحلة مارلين مونرو، كانت تقطع نصف إنش من فردة حذائها حتى تبالغ في مشيتها الأنثوية
الشهيرة
– في الموروث الثقافي الشعبي، يتفاءل صياد السمك باصطياد حذاء، اعتقادا منه بأنه سيجلب له الحظ
السعيد، بينما ساد في بعض الحضارات القديمة الاعتقاد بأن الحذاء رمز للخصوبة الكعب
الكعب العالي
بين الأمس واليوم
تاريخيا ارتبط الكعب العالي بالقوة والسلطة
فمنذ 10000 سنة تقريبا كان رؤساء القبائل
يستعملونه حتى يتمكنوا من رؤية الرعية من فوق
وفي القرن السادس عشر، وعندما تبنت الطبقات الأرستقراطية الأوروبية الكعب الذي كانت تلبسه كاثرين
دي ميديتشي، شعروا بالغضب عندما بدأ العامة يلبسونه، مما سرع في ظهور قانون يحرم على أي شخص لا
ينتمي إلى الطبقات الارستقراطية أو لا يملك الجاه الكافي، ارتداءه
وحتى إبان الاستعمار البريطاني للولايات المتحدة، ظهر قانون مماثل، ركز على تحريم ارتداء العامة أحذية
بكعب مدبب أو مصنوعة من الساتان ومزينة بالشرائط أو بألوان
وكان مصير كل من تسول له نفسه
تجاهل هذا القانون السجن أو دفع غرامة
مرت العقود والقرون، وتغيرت الأذواق وإيقاع الحياة والحياة السياسية والاجتماعية، ولم يتغير حب المرأة
للكعب
ففي الخمسينات مثلا ظهر جيل جديد من المصممين مثل سالفاتوري فيراغامو، درس علم تشريح
الأقدام حتى يتقن مهنته، وبالفعل قدم للمرأة أحذية تسر العين والنفس تناغمت بشكل رائع مع موضة
تلك الحقبة التي تسلطن فيها السيد كريستيان ديور بتصاميمه المحددة عند الخصر وتنوراته المستديرة
وحتى في الثمانينات التي غلب فيها التايور على خزانة المرأة بعد أن اقتحمت عالم الرجال في مجالات كثيرة
وجديدة، ظل الكعب جزءا من هذه الخزانة لا تستغني عنه تماما
فالملاحظ أنها قد تركنه لبعض الوقت،
لكنها لا تلبث أن تعود إليه
وربما شجعها على الحفاظ عليه في هذه الحقبة بالذات، مسلسلا «ديناستي» و«دالاس»، حيث ضاهى في قوته تأثير
الأكتاف المحددة والضخمة وتسريحات الشعر المنفوخة
أما الجيل الجديد من الأحذية العالية، فهو مصمم لامرأة رسخت أقدامها في عالم الرجال، ولم تعد ترى
داعيا لكي تفرض نفسها فيه، بقدر ما تريد أن تتباهى باستقلاليتها
فالتصاميم التي يتفنن
فيها المصممون المخضرمون والشباب حاليا منحوتة بفنية عالية تستهدف المرأة التي تريد أن تظهر ذوقها
الخاص لغريمتها المرأة في أغلب الأحيان